تراجعت حدة الانتقادات الموجَّهة لبعض وزراء حكومة مهدي جمعة، التي تتهمهم بالانحياز لحركة النهضة. أما الاتهام الأكبر فاتجه لوزيرة السياحة التي تُتهم بالعلاقة مع الكيان الصهيوني، على خلفية زيارة كانت قد أدتها إلى إسرائيل منذ سنوات في إطار بعثة لمنظمة الأمم المتحدة؛ ما دفعها إلى تقديم استقالتها قبل دخولها لمكتبها بالوزارة، إلا أن رئيس الحكومة المهدي جمعة رفض الاستقالة مؤكداً أن الوزيرة على استعداد للعمل من أجل رفعة شأن القطاع السياحي التونسي. وما زالت قيادات اليسار المعارض تواصل هجومها ضد الحكومة الجديدة حتى قبل أن تبدأ عملها، فقد أعلن حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية المعارضة أن تركيبة حكومة مهدي جمعة الجديدة حكومة بعض الولاءات الحزبية، لكنه اعتبر في الوقت نفسه رحيل حكومة علي العريض من الحكم وتعويضها بحكومة مهدي جمعة مكسباً لتونس قائلاً: حكومة مهدي جمعة أصبحت حكومة أمر واقع، والجبهة ستتعاطى معها على أساس مدى التزامها بتنفيذ بنود خارطة الطريق والمهام الموكلة إليها. واعترف الهمامي بأن الجبهة تريد النجاح لحكومة المهدي جمعة؛ لأن البلاد - حسب تصريحه - لم تعد تحتمل فشلاً آخر. مشدداً على أن تونس بانتظار صدور القانون الانتخابي الجديد الذي يجب أن يعكس الإرادة الشعبية، ومعرباً عن أمله بأن يتم تنظيم الانتخابات في أقرب وقت، وأن تسير في شفافية ونزاهة. يُذكر أن الجبهة الشعبية كانت قد دعت في وقت سابق إلى مقاطعة الحكومة الجديدة التي اعتبرتها ترويكا ثالثة معلنة أن الجبهة ستشكل معارضة شرسة للمهدي جمعة وفريقه الحكومي، وذلك حال إعلان جمعة تشكيلته من الكفاءات المستقلة. وفي السياق نفسه، وفي تحول بارز، ومقابل تراجع الجبهة الشعبية عن معارضتها للحكومة الجديدة، اتهم الباجي قائد السبسي زعيم حركة نداء تونس رئيس الحكومة الأسبق حكومة الترويكا المستقيلة؛ إذ صرح بأن حزبه كان وراء استقالتها وخروج النهضة من الحكومة، وذلك بعد أن ساوم زعيم الحركة الشيخ راشد الغنوشي خلال أحد اللقاءات، وخيّره بين قبول الحوار أو مغادرة السلطة بالقوة. وتأتي هذه التصريحات في وقت قالت فيه قيادات من حركة النهضة إن الحركة تدرس إمكانية توسيع تحالفاتها مع كل التيارات الموجودة بالساحة، التي صادقت على الدستور الجديد، وذلك في إشارة واضحة إلى توحيد صفوفها استعداداً لخوض غمار الانتخابات المقبلة في إطار ائتلاف أكبر يضمن الجاح للحكومة التي ستنبثق من المحطة الانتخابية القادمة. وكان الشيخ راشد الغنوشي قد صرح بأن النهضة لا ترى مانعاً من التحالف مع نداء تونس، مضيفاً بأن هذا التحالف يستوجب مفاوضات بين الحزبين للتوصل إلى برنامج موحد وأرضية سياسية مشتركة، يتم الالتقاء حولها. كما شدد على أن حركة النهضة مستعدة للتعامل مع كل الأحزاب السياسية في إطار التوافق على مسائل سياسية تنفع البلاد، إلا ان تصريحات السبسي - على ما يبدو - ستدفع النهضة إلى مراجعة حساباتها وإعادة النظر في خياراتها الاستراتيجية، بما يكفل لها تجنب عثرات الماضي، ويؤهلها لقيادة البلاد من جديد برؤية أوضح وبرنامج عمل توافقي.