وأخيراً بمقدور التونسيين النوم ملء جفونهم، على الأقل هذه الليالي، بعد منح ثقة المجلس التأسيسي لحكومة رئيس الوزراء المكلف المهدي جمعة في وقت متأخر جداً من ليلة أول أمس بـ 149 صوتاً، وبالرغم من معارضة 20 نائباً واحتفاظ 24 آخرين بأصواتهم في عملية التصويت التي جرت في أجواء متوترة للغاية بالمجلس، إلا أن الفرحة عمّت البيوت التونسية بحصول الأغلبية لفائدة حكومة الكفاءات المستقلة التي تنطلق اليوم في العمل رسمياً بعد أداء أعضائها القسم على القرآن الكريم. فلم يكن من البديهي الى ما قبل التصويت بلحظات، ان حكومة المهدي جمعة ستنال رضا حوالي 150 نائباً من أصل 216 في الجملة، ذلك أن حزام حجب الثقة عن فريقه الحكومي بدا واضحاً، منذ ان أنهى طرحه لبرنامجه السياسي للفترة المتبقية من الانتقال الديمقراطي. وكان رئيس الحكومة الذي يخلف علي العريض بمكتبه بالقصبة، أكد بأن من أبرز أولويات حكومته توفير مناخ ملائم بالبلاد لتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة، مضيفا ان الواجب يدعو الى تحييد ادارات المحافظات والهياكل العمومية ذات العلاقة بالملف الانتخابي وإلى مراجعة التعيينات التي تمت على أساس الولاءات الحزبية، وهو مطلب ملح للمعارضة التي ما انفكت تتمسك به طوال فترة حكم الترويكا. أمنياً تعهد المهدي جمعة بالسعي الحثيث والجدي الى الكشف عن الأطراف التي اغتالت السياسيين بلعيد والبراهمي وأعوان الجيش والأمن، مجدداً حرصه على بسط الأمن وإشاعة الطمانينة عبر مكافحة الإرهاب والتصدي للجماعات المسلحة. كما التزم بمواجهة ظاهرة التهريب والقضاء عليها عبر فرض سلطة القانون مؤكداً السعي الى حماية الحريات وحق التنظم وقطع دابر الدعوة الى العنف والفوضى والكراهية. وأعلن أن حكومته ستعمل على إعداد قانون مالية تكميلي يستفيد منه التونسيون، ويساهم في الرفع من القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، مشدداً على تعويل الدولة على اصدقاء تونس العرب والغربيين من أجل دعمها في هذه المرحلة الانتقالية، معبراً عن التزامه بتوسيع مجالات التعاون مع الدول العربية والمغاربية. ولعل أبرز نقطة توقف عندها التونسيون في برنامج الحكومة الجديدة دعوتها الى إقرار هدنة اجتماعية وتفعيل العقد الاجتماعي الذي ظل لمدة طويلة مجرّد حبر على ورق، الى جانب التزامها بتحسين المقدرة الشرائية للتونسيين. كما أقر جمعة بأن التشغيل لا يزال يتصدر الصعوبات الاجتماعية ووصفه بالمعركة الشاقوالمعقدة داعياً الشباب العاطل إلى أخذ زمام المبادرة واكتساب المهارات والتعويل على الذات. ووعد بأن حكومته ستتعهد بهذا الملف وستسعى إلى إيجاد مواطن الرزق معولاً في ذلك على تعاون أصحاب المؤسسات الخاصة. ووفق ما ذهب اليه المتتبعون للشان المحلي، فإنّ برنامج حكومة المهدي جمعة جاء شاملاً وتضمّن أجوبة ووعوداً للتونسيين حول كل مطلب شعب كانوا عبروا عنه سواء في الشارع عبر الحراك الشعبي او في فضاءات الحوار التلفزية... وبذلك يمكن القول بأنّ جمعة الذي وُلد من رحم الترويكا الثانية والذي يبدأ عمله اليوم الخميس في ظل الجمهورية الثانية، لم يحتج الى الكثير من البحث والدراسة لمعرفة احتياجات التونسيين عامة، بل إنه وجد امامه ملفات جاهزة متكاملة لا تنتظر سوى البت فيها وإيجاد حلول للمشاكل العالقة بها. وبالرغم من استجابة برنامج الحكومة الشامل لكافة المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية في أدق تفاصيلها، إلا أن نواب المعرضة بالمجلس التأسيسي وجدوا فيه ثغرات عبروا عنها بتشنج كبير قابله رئيس الحكومة الجديد، بالكثير من الرصانة والتعقل، حيث شهد المجلس تدخلات متوترة لبعض النواب الذين عابوا على المهدي جمعة عدم تعهده بحل رابطات الثورة التي كان عناصرها ابطال اعمال عنف متعددة، طالت رموز الأحزاب السياسية وبعض هياكل الدولة في عهد حكومة الترويكا الأولى والثانية. الى ذلك، طالب بعض النواب بوجوب عزل وزيرة السياحة الجديدة التي ثبت أنها زارات إسرائيل في إطار عملها بإحدى الشركات العالمية، إلا أن جمعة الذي أقر بذلك، أكد أن الوزيرة تعرّضت الى مضايقات جمة عند زيارتها لإسرائيل على خلفية كونها عربية مسلمة وأنها لم تتمكن من إنجاز عملها هناك في إطار برنامج تكوين ممول من الأمم المتحدة بمشاركة فلسطينيين مما دفعها إلى إلغاء بعثتها.