عادت قيادات في جامعة الملك سعود للحديث عن سيارة غزال، وأنها بالفعل حقيقة وطنية، وليس كذبة إعلامية كانت الجامعة تسوقها للحصول على مزيد من المكاسب، كذلك عاد الحديث عن مشروع وادي الرياض للتقنية كبرنامج مهيأ ليكون مصدراً للاكتشافات التقنية، التي من الممكن أن تكون نواة لمستقبل صناعي باهر للمملكة، لكن الغائب الأكبر عن ذلك الحوار الإعلامي الصاخب الذي صاحب الإعلان عن السيارة هو الحقيقة الموضوعية، وهل كانت بالفعل كذبة إعلامية، أم أنها بالفعل خطوة للأمام، وكانت تستحق الاهتمام والاستثمار في العقول الوطنية التي كانت خلفها من أجل الخروج من مرحلة استهلاك موارد النفط إلى استثمارها في مشاريع صناعية تكون في المستقبل النواة الحقيقية للاستقرار الاقتصادي في الوطن.
لذلك نتمنى أن تظهر الحقيقة، وبالأدلة قبل فوات الأوان، وهل كانت مشروعا علميا حقيقيا، أما أنها مجرد فرقعات إعلامية، لذلك لابد من تحري الموضوعية فيما حدث وعما يتحدث عنه المسؤولون في الجامعة، لاسيما أن الجامعة لا زالت تؤكد أنها لم تكن أكذوبة حسب ما سمعت من بعض مسؤوليها، لذلك لابد من البحث عن الحقيقة حول المشروع العلمي في الجامعة، وعدم ترك الحبل على الغارب للمساحة الإعلامية أن تقوم بكل الأدوار بدون تقديم آلة مادية، وقد يكون النقد الإعلامي على حق في اتهاماته، لكن لابد من إثباته بالدليل القاطع، وإذا ثبت أنها كانت كذبة، لابد من محاسبة المسؤولين، وإذا لم يثبت ذلك لا بد من تقديم الاعتذار للجامعة، وللمسؤولين ، فالاتهام طال كوادر علمية وإدارية في الجامعة.
أصبح الإعلام في الأجواء السعودية الحاكم بأمره في كثير من القضايا، بل أصبح له سلطة في توجيه أصحاب القرار لاتخاذ بعض القرارات، وقد يكون ذلك في كثير من الأحيان أمراً محموداً ومطلوبا في العصر الحديث، لأنه يمثل السلطة الرابعة كما نرقبها في المجتمعات الحديثة، لكن في غياب السلطة الأهم، وهي الإشراف القانوني على الأجواء الإعلامية، سيتم استغلالها من أجل أو ضد مصالح الغير، ومثال ذلك مشروع سيارة غزال، والذي ضاعت حقيقتها في وسط عاصفة من الاتهامات، بعد أن وصل الأمر إلى اتهام الجامعة بمختلف كوادرها بالكذب الإعلامي أمام القيادة العليا، كان من نتائجها أن تأثرت سمعة الجامعة، وتعثرت في مشاريعها العلمية.
مما لا شك فيه أن مشروع السيارة الوطنية، مهما كانت حقيقته، حرك المياه الراكدة في الوطن، وأن فكرة وادي الرياض للتقنية ثاقبة، إذا كان الهدف استثمار العقول الوطنية في اكتشافات علمية وتقنية مهيئة للاستثمار الصناعي، وإذا كان الوادي أيضاً كذبة مثل غزال، يجب أن نسعى إلى تحقيقه على أرض الواقع، ذلك لأن الوطن يجب أن يخرج من اقتصاد المورد الواحد مهما كلف الأمر، ولابد أن يكون بيئة اقتصادية منتجة، وإلا واجهنا الصعاب في المستقبل، و قبل ذلك أن نفكر قبل فوات الأوان أن الطريق نحو الصناعات الثقيلة والصناعات التقنية هو الحل الأوحد أمام التحديات الاقتصادية مثل البطالة وتصاعد أرقام الخريجين من الجامعات.
نحن أمام تحديات كثيرة في ظل المتغيرات الكبيرة في المنطقة، ولعل القاسم المشترك بين البلاد التي دخلت في مراحل القلاقل هو الفشل الاقتصادي، وغياب الطبقة الوسطى العاملة، بسبب ظاهرة الفشل في تأسيس المشاريع الاقتصادية العملاقة، والتي كان من آثارها أن انتشرت الأيدولوجيات السياسية والدينية بين الشباب، ودخول المجتمعات إلى مراحل الصراعات المسيسة بمصالح الناس وأفكارهم، لذلك يجب توجيه الأجيال القادمة نحو ثقافة الإنتاج العلمي، ونحو ثقافة العمل، وقد نحتاج إلى ابتعاث الشباب للعمل في المصانع العملاقة في الدول المتقدمة، وأن نصرف بسخاء من أجل توجيههم إلى حقول العلم بدلاً من حقول الألغام.
لذلك أجد فيما حدث لجامعة الملك سعود من اتهامات فيه إحباط كبير لتلك الأهداف قبل كوادرها، وذلك عندما أتهمت الجامعة إعلامياً من قبل بعض النقاد والمتخصصين أنها قدمت كذبة إعلامية للقيادة، برغم من أن قيادات في الجامعة لازالت تخرج إلى الإعلام إلى اليوم، وتصر على أنها لم تكن كذبة إعلامية، وأنها حقيقة ومصدرها مشروع وادي الرياض للتقنية، لذلك أقترح أن تقوم جهة محايدة بالتحقيق في الأمر، وإظهار الحقيقة أمام الجميع، وذلك احتراماً للكوادر السعودية العلمية، وقد يكون هناك أخطاء، لكن لا يجب أن نبخس قدر أولئك الذين عملوا بجد واجتهاد من أجل تقديم خلاصة إنتاجهم العلمي لخدمة الوطن.