يتسلم اليوم الأربعاء رئيس الحكومة المكلف مهدي جمعة مهامه بقصر القصبة رسميا على رأس فريقه الحكومي المستقل كما ويتزامن ذلك مع خروج حكومة الترويكا الثانية من السلطة بعد أن تولى رئيسها علي العريض تقديم استقالته إلى رئيس الدولة منذ أكثر من شهر طبقا لبنود خارطة الطريق التي كان الرباعي الراعي للحوار الوطني اقترحها ووقعت عليها أغلب الأحزاب السياسية الفاعلة في الساحة. وأثر اكتمال المسارات الحكومية والتأسيسية والانتخابية سارعت أكبر الدول الغربية تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا إلى تجديد مساندتها ووقوفها إلى جانب تونس في مرحلتها الانتقالية الأخيرة وشددت هذه الدول عبر مبعوثيها إلى تونس والناطقين باسمها على اعتبار الدستور التونسي مكسب هام في الوقت الذي تواصل فيه البلاد سيرها نحو تحقيق الانتقال الديمقراطي بخطى واثقة.
وأبرز مبعوثو الدول الغربية المانحة أن ختم الدستور هو لحظة تاريخية فارقة تؤكد حرص التونسيين جميعا على بناء دولة مدنية ديمقراطية تصان فيها حقوق الإنسان ويعلى فيها القانون فوق الجميع ويجد فيها التونسيون مبتغاهم. فيما قالت وكالة التصنيف العالمية «فيتش رايتنغ» بأن المصادقة على دستور الجمهورية التونسية الثانية خطوة إيجابية نحو التقليص من أجواء عدم الثقة السياسية في تونس إلا أنها أكدت في ذات السياق بأن التخفيف من التوترات السياسية والاجتماعية يظل عملا شاقا وطويلا. وتبدوا أول نجاحات رئيس الحكومة مهدي جمعه هي في إقناع المعارضة بضرورة الحفاظ على بن جدو من منطلق أن المرحلة الراهنة ودقة الوضع الأمني تستوجبان مواصلة الرّجل تقلّد حقيبة وزارة الداخلية. إلا أن ما يعكر صفو احتفالات التونسيين بختم الدستور يوم الاثنين من قبل الرؤساء الثلاث وإعلان التشكيلة الحكومية الجديدة وتزكيتها أمس الثلاثاء من المجلس التأسيسي انحياز حزب نداء تونس بزعامة رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي إلى الجبهة الشعبية اليسارية المعارضة في اعتبار أن حكومة مهدي جمعة إعادة لحكومة الترويكا الثانية المستقيلة.
وكان القيادي بنداء تونس صرح أول أمس الاثنين بأن لحركته تحفظات على بعض الوزراء الجدد على غرار وزير الداخلية ووزير العدل ووزير الدفاع فيما أكدت الجبهة الشعبية على لسان الناطق الرسمي باسمها حمة الهمامي بدء المواجهة الشعبية مع حكومة الكفاءات المستقلة التي لا تراها مستقلة. وكان الرئيس المنصف المرزوقي قد تولى مساء الاثنين وبعد ختم الدستور الجديد تقليد علي العريض رئيس الحكومة المستقيلة الصنف الأكبر من وسام الجمهورية مقرا بجهوده في الخروج بالبلاد من المرحلة الصعبة التي مرت بها ومجددا دعمه لحكومة مهدي جمعة التي تنتظرها تحديات كبرى على حد قوله. من جهة أخرى يرى محللون اقتصاديون بأن اختيار رئيس الحكومة لفريقه الحكومي لم يأت من فراغ بل جاء مدروسا بهدف إيجاد موارد تمويل جديد للاقتصاد المتدهور بفضل توظيف وزراءه لعلاقاتهم الوطيدة بمصادر التمويل بعد شح القنوات التقليدية على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
والثابت أنه ينتظر من أعضاء الحكومة الجدد الناشطين في المؤسسات المالية الدولية أن يعملوا من منطلق علاقاتهم المتينة وقربهم من مواقع القرار المالي العالمي على تيسير التعاون الدولي في كل القطاعات وعلى إعادة ثقة المانحين في الاقتصاد التونسي عبر دعم الاستثمار وبعث المشاريع التنموية التي من شأنها تحقيق نقلة نوعية بتونس وتكريس طموحات التونسيين.