عندما أهمّ بكتابة مقال، أطلقُ تغريدة في الزعيم «تويتر» بغية الوقوف على مدى التفاعل معه، قبولاً أو رفضاً، كي أحدّد موقفي، وعندما عزمت الكتابة عن موضوع عنوان هذا المقال، أطلقتُ الإشارة لذلك، فوجدتُ التأييد المطلق، عندها أعطيت الإشارة لأصابعي، للبدء في ذلك، كنا في التسعينيات الهجرية، نسمع أن الإنسان الوحيد في مجتمعنا السعودي، الحاصل على درجة الدكتوراه، الدكتور عبدالعزيز الخويطر، متّعه الله بالصحة، وكان هذا القول، متواتراً عند (القوّالة) فرع وكالة (يقولون) ويبدو أن متانة هذه المعلومة، قوية لا تُخطئها العين، وكنتُ في آواخر التسعينيات الهجرية، قد تخرّجتُ للتو من المعهد الملكي الفني صاحب القبة الكبيرة والشهيرة في الملز بالرياض، تخصص (مراقب إنشاءات) وعندما كُلفت بمهمة لمدينة أبها، للإشراف على أحد المشروعات هناك، وكان وقتها، مدير مكتب جريدة الرياض هناك من (البلدياتي) فنشر خبراً، يفيد بقدوم المهندس محمد الجوير لأبها، في مهمة تتعلق بعمله، بعدها قلتُ لصاحبي ما هذا الخبر المشوب بالخطر، قال عسى خير، قلت له أنا (حتّة) مراقب إنشاءات، ولست مهندساً، قال دعها فإنها مأمورة، ثم توالت التخديرات، كلّما قابلتُ مهندساً مصرياً بالذات، من مقاولي مشاريع الوزارة، قال (كيفك يا باشا مهندس؟) فانتفختُ، وصدّقت الكذبة، حتى قضى الله أمراً كان مفعولا! ما علينا، في هذا العصر الذي نعيشه، استسهل القوم الحصول على الدرجات العلمية الرفيعة لاسيما (الدكتوراه) بل طفقوا يتقاتلون للحصول عليها، مهما بلغ الثمن، وانداست الأمانة، فظهر على السطح، ما يعرف (بهلكوني) وهو في الأصل أحد الهاشتاقات، التي يطلقها المغردون في «تويتر» للانقضاض على فريستهم، بالتأكيد أن قائمة (هلكوني) تُصدع الرأس، وتأخذك الرأفة بهؤلاء الذين يعيشون أزمة في الثقة، لم تُعرف من قبل، جامعة (هلكوني) المقلوبة، استطاعت أن تخرج جيلاً من الدكاترة، لم تخرجهم جامعاتنا المرموقة من حيث العدد، استطاعوا الدخول في سوق العمل، الذي فتح مصراعيه، مرحباً بهم، رافضاً الحاصلين على درجة الدكتوراه من جامعاتنا الكبيرة، مما خلق جواً مشحوناً بعدم مصداقية مخرجات قطاعنا الخاص، واسمحوا لي يا جماعة الربع، أن أقول لكم إن أكثر ما لفت نظري في قائمة (هلكوني) هم من مدعي تفسير الرؤى والأحلام، والاستشارات الأسرية، والدعاة، لأن هذه المهن (الله يخلف) ليس ثمة ضوابط ومعايير مهنية لها، ولا لان، ولا مقابلات شخصية، ولا اختبارات تحريرية، تؤهلهم للقبول، فباتوا هم الأرقام الفاعلة في المجتمع، يهرول خلفهم العامة والدهماء والنساء، حتى انقلبت المفاهيم، وشاع صيت هؤلاء، وكوّنوا تجارة، بسببها نسوا أنفسهم، واضطربت مبادئهم، وبات الحلال ما حل في أيديهم، نصبوا أنفسهم في الشاشات الإعلامية، تحت مسميات براقة، هم صنعوها، وفبركوها، كالمستشار الأسري، ومفسر الرؤى والأحلام، وخُصصت لهم صفحات كاملة في بعض الصحف، والقنوات الفضائية التجارية، ناهيك عن بعض الدعاة الذين تحلوا (بالدكترة) ضماناً لسير بضاعتهم المزجاة، تعرفهم بسيماهم، بالكاد مؤهلهم البكالوريوس، وبالليلة الظلماء، نصبوا حرف الدال أمام اسمهم، أنت لا تتعجب من كيفية حصولهم على هذه الدرجات العلمية الرفيعة، وأنت ترى الحيل الشيطانية تغزو هذا العالم المادي، لكنك تتعجب أيما عجب، ممن يسارع بتقبل هؤلاء، بل والدفاع عنهم، حتى شكّل هؤلاء المزيفون، حائط صد بينهم وبين مهاجميهم ومنتقديهم وكاشفيهم، مما يعني أنهم في منأى من الخطر والتحقيق، ونحن ندرك أن الجهات الرسمية، نائمة ومغمضة العين عنهم، حتى شكك المشككون، أن هذه الجهات، قد منحتهم، تأشيرة الاستمرار، تحت مظلة المثل الشعبي (اكرب وجهك وارخ يديك) الذي بات التأشيرة الحقيقية لهؤلاء، يشارك هذه الفئة فئة أخرى، أربكت التعليم بمخرجاته، وأعني بهم، لصوص النصوص، وهم فرع من جامعة (هلكوني) وقد كتبتُ عنهم تحت هذا المسمى (لصوص...النصوص) مقالاً، في هذه الجريدة، بالعدد رقم (14505) وتاريخ 25-7-1433هـ، ويؤكد ما أقوله وسبق أن قلته، انتشار (خدمات الطالب) التي تقدم البحوث، معلبة جاهزة للطالب، مما ساهم بتردي مخرجات التعليم لدينا، مع ما يسرقه البعض من بحوث جاهزة، ليحصلوا جراءها على درجة الدكتوراه، من جامعة (هلكوني) فاجتمعت ظلمات بعضها فوق بعض، دكاترة مزيفون، وطلاب مهترئون، لا يعرفون المنصوب من المرفوع، فانعكس ذلك بالسلب على واقع مجتمعنا، وعاش ويلاتهم وتبعاتهم، بعد أن كان مجتمعا قوي المعرفة ردحاً من الزمن، مخرجاته صلبة، لم يزل يتذكرها الوطن بشعار التقدير ويثمن إنجازات أصحابها ووطنيتهم الخالصة، بقي القول، إن خريجي جامعة (هلكوني) يتصدرون المشاهد بكل جرأة، وباتوا يطاردوننا في كل شارع وسكة، يقول الواحد منهم، أنا من شلّة (هلكوني) لكن (متصدّر لا تكلمني)... ودمتم بخير.