كتبت في الأسبوع الماضي مقالا عن الحوادث المرورية، أو (إرهاب الشوارع)، ومدى دمويته واتساع نطاقه، وغفلتنا عنه، بسبب ظاهرة عدم التقيد بالسلامة المرورية في الشوارع والطرقات. ونشرت مقالي في (تويتر). وتفاعلاً مع الموضوع أتاني عدد من لقطات الفيديو المصورة تظهر إلى درجة لا تصدق مدى استهتار بعض الصبية والمراهقين بسلامة الطرق بل وانحدار هيبة المرور وكأن سلطة الحكومة غائبة تماماً. ومثل هذه الظاهرة في غاية الخطورة؛ فالسكوت عنها أو التساهل تجاهه يعني أنها ستتفاقم وتتسع دائرتها، لتزعزع هيبة الدولة واحترام أنظمتها والتقيد بما تُقره هذه الأنظمة، سواء في المرور أو غير المرور. وغني عن القول إن الدولة هيبة أولاً وأخيراً.
ما رأيته من خلال هذه اللقطات المصورة ليس خطيراً فحسب، وإنما مُفجع، وإذا كانت خطوة الإرهاب تقرأ من خلال ما نتج عنه من مصابين ووفيات فإن أرقام إرهاب الشوارع أكثر وبمراحل من ضحايا الإرهاب الحركي المنظم المتستر بالدين. الفرق بين الإرهاب الحركي وإرهاب الشوارع، أن الأول يعبر إلى ما وراء الحدود، في حين أن إرهاب الشوارع بإرهابييه ما إن ينتقلوا إلى ما وراء الحدود يتقيد إرهابيو الشوارع بالأنظمة والضوابط المرورية للدول الأخرى؛ وهذا يعني أن القضية قضية هيبة في الدرجة الأولى.
آلية (ساهر) كما تقول الأرقام حدت من تزايد هذه الظاهرة بشكل واضح كما تؤشر الأرقام وأعداد المصابين والضحايا؛ يكفي أنها (ألغت) تماماً الوساطات و(شد لي واقطع لك) التي كانت أحد الأسباب الرئيسة لإيصال وضعنا المروري إلى هذه الحالة المزرية بكل المقاييس.
ومن أجل تدارك هذه الظاهرة الخطيرة ومحاصرتها قبل تفاقمها وتطورها إلى ما هو أخطر، لا بد من إدخال آلية إضافية إلى آلية (ساهر) يكون من شأنها فرض هيبة المرور وكبح جماح المستهترين والتعامل معهم بحزم. ولا أجد هنا أفضل من استخدام (الطائرات المروحية).
أعرف أن الطائرات المروحية من حيث القيمة والتشغيل مكلفة، لكن لا بد مما ليس منه بد كما يقولون، خصوصاً في البداية حتى يتسنى فرض هيبة المرور، ومن أجل أن يرعوي هؤلاء المستهترين ويعودون إلى رشدهم؛ فالمراقبة المرورية الجوية ستعطي إيحاءاً للمستهتر أنه مراقب، ولن يستطيع أن يفلت من الملاحقة، وأن يد السلطة ستطاله مهما حاول الهروب، في حين أن ملاحقته من خلال سيارات المرور كما هو العمل عليه لن تجد نفعاً خاصة إذا كان المستهتر متهوراً ومندفعاً في قيادته للسيارة كما هو مشاهد في كثير من الحالات، خاصة من (المفحطين) الذي يعتبرون أن المطاردة فرصة سانحة لهم لإظهار قدراتهم التهورية؛ ما يجعل الشوارع في حالة المطاردة (حلبة صراع) مما قد يترتب عليها حوادث أشنع، وربما أنها قد تودي بأرواح آخرين لا علاقة لهم بالمطاردة.
وحسب علمي فإن سلطات المرور في دولة الإمارات العربية المتحدة قد اعتمدت هذه الآلية، وأتت نتائجها في المحصلة جيدة، فلماذا لا نستفيد من التجربة ونسلك في محاصرة هذه الظاهرة المميتة ذات السلوك.
إن وجود (المرور الطائر) في سماء المملكة وفي المدن والطرقات السريعة سيكون له حتماً أثراً مفصلياً مؤثراً في كبح جماح واستهتار هؤلاء الصبية، فإذا ما تم اعتماده في جوار (ساهر) إضافة - أيضاً - إلى (تغليظ) العقوبات فإنني على يقين أننا سنحاصر هذه الظاهرة في أضيق نطاق.
إلى اللقاء.