لطالما كانت أفلام المخرج الطليعي «سبايك جونز» فريدة من نوعها ومختلفة عن الشكل السائد والمتعارف عليه داخل هوليود وخارجها تفرد هذا المخرج مثل تفرد آخرين على مستوى تاريخ السينما أمثال أكيرا كروساوا وسيرجيو لوني وحتى للسينما الحالية مثل المخرج المتمرد ويس اندرسون، والأخوة كوين اللذان يتمتعان بخصوصية شديدة في الأسلوب، ولا ننسى المخرج غريب الأطوار تيم بورتن وغيره.
من خلال فيلم «Her» يقدم المخرج «سبايك جونز» بنفس حداثي متقدم كعادته مع أفلام سابقة مثل «في عقل بروكفتش» و«التكييف» قصة من المفترض أن تكون في العام 2020، وتسرد هذه القصة حياة رجل أعزب في منتصف الثلاثينيات تقدم له إحدى الشركات المتخصصة في برامج المحادثة برنامجاً متقدماً عبارة عن محادثة لسيدة مبرمجة تتحدث مع صاحب البرنامج ولكن بطريقة إنسانية ذكية متطورة جدا.
ما يجعل هذا الفيلم ممتعاً هو النص السلس الذي كتبه للمرة الأولى «سبايك جونز» في أولى محاولته الكتابية خارج رفيق دربه «تشارلي كوفمان» والذي عهدناه في كتابة نصوص ذكية مع أفلام جونز وغيره.
يحسب لهذا الفيلم أيضاً مستوى التصوير واختيارات المواقع التصويرية والتي وفق طاقم الفيلم كثيراً في تصوير أحداث الفيلم في مدينة متقدمة كثيراً مثل شانغهاي الصينية والتي تبدو مدينة نيويورك بالنسبة لها من مدن عصور الظلام في أووربا.
الفيلم بالطبع مليء بالأحداث الغريبة والممتعة في نفس الوقت، يعتبر نوعاً في خانة تصنيف أفلام الخيال العلمي ولكن بأسلوب قريب من الواقعية وبشكل سردي يذكرنا بالنمط الذي اتخذه المخرج البريطاني الفطن كيستوفر نولان في فيلمه التنويري «انسبشن».
سبايك جونز بقصته العصرية الرائعة التي حازت على نيل رضا الجيل الشاب الحديث يؤسس بنظري خطاً روائياً سردياً جديداً في السينما التجارية الأمريكية والتي تحولت في السنوات الثلاث الأخيرة لصناعة خاوية منتهية الصلاحية باستثناء بعض أفلام موسم الخريف والتي يهدف المنتجون لإنتاجها استعداداً «للهياط» في موسم الجوائز و»التميلح» مع نجمات الأفلام في السجادة الحمراء.
من خلال فيلم «Her» ستجد أن هناك ذوقا مختلفا تماماً عما نشاهده عادة في السينما أو حتى ما نشاهده بشكل يومي على قناة «mbc2» أو «فوكس»، في هذا السرد الغير تقليدي والحداثي بامتياز، نحن أمام أحد أكثر أفلام الموسم تميزاً في الشكل ومتمردة على السائد والمألوف.
التمثيل في هذا الفيلمواكب بشكل دقيق ومفصل للعصر المستقبلي، والأسلوب الفني في هذا العمل كان لافتاً خصوصا في التصوير والأزياء والديكور الذي كان موفقاً لحد كبير في إضافة لمسة مستقبلية لقصة رومانسية بين إنسان و«سوفت وير» غير متوقعة لساعتين من المتعة الروائية التي حتماً ستعجب متذوقي السينما خصوصا الخبراء منهم. الممثل خواكين فينكس كعادته ملتزماً في تقديم شخصيات متميزة والأهم مختلفة عن السابق من أفلامه، صوت سكارليت جوهانسون كان ساحراً، لافتاً، ومثيراً، وبالطبع تقدم الصاعدة آمي آدامز دوراً عميقاً كعادتها.