رغم أن أحداً لا يمكنه التنبؤ بمجمل تأثير ثورة المعلومات الراهنة، إلا أنه يمكننا أن نتلمس التغييرات في حياتنا اليومية.
وفي كثير من الأحيان تكون التغيّرات المصاحبة للتقنيات المعلوماتية الجديدة دقيقة للغاية، حتى إننا بالكاد نلحظها فقبل ظهور الكلمة المكتوبة كان الناس يعتمدون على ذاكرتهم. وقبل التليفون كان الناس يعرفون متعة كتابة الخطابات واستلامها، والفرح لدى العثور على مظروف في صندوق البريد مكتوب بخط يد صديق أو قريب. وقبل التلفزيون والبث المباشر والحواسيب كان لدى الناس إحساس أقوى بالجماعة ومودة أكثر تجاه جيرانهم وعائلاتهم.
يقول جول سوير دلو: لقد جعلنا التلفزيون نلتصق ببيوتنا، وعزلنا عن باقي البشر. إن تراجع العلاقات المباشرة بين البشر يبدو جلياً في معظم أجزاء العالم.
وهنا نتساءل: هل اللقاء وجهاً لوجه أكثر قيمة من التراسل إلكترونياً؟ الواقع أن بعض الأقارب والأصدقاء والجيران ما زال يتوافد على البيت، إذا حلّت به أزمة عائلية، لكن أناساً آخرين يعبّرون عن مواساتهم عبر الاتصال الهاتفي أو البريد الإلكتروني.
وبغض النظر عمَّا نفضّله نحن، يبدو أن العنصر الإلكتروني هو الذي يمثّل المستقبل. فالتلفزيون يعلم الكثيرين منا أن يفضلوا ما هو صورة على ما هو حقيقي. وشبكة الإنترنت تدفع الحياة إلى ما وراء الحواجز الطبيعية القديمة للزمان والمكان. فهنا يمكنك التجوال حول العالم دون مغادرة منزلك. ويمكنك وأنت خارج المكتب أن تقوم بإدارة أعمالك من خلال الحاسوب، الذي أصبح مكتبك الفعلي، ومجتمعك الفعلي وسفرك الفعلي وحبك الفعلي، إنه واقع جديد وهكذا، فإن ويليام جبسون يقول: إن الاتصالات الإلكترونية تؤدي إلى اتساع حسي لدى الجنس البشري من خلال السماح للناس بتجربة طائفة واسعة جداً من الأشياء، بينما هم جغرافياً في المكان نفسه.
ومن ناحية أخرى ينبه جبسون إلى أن الفعلي يمكنه فقط أن يعزِّز من واقعنا الطبيعي ولا يحل محله أبداً. وهو يشجع الحركة المضادة تجاه ما يُسمى اختزال التقارب كوسيلة لاتصال الناس بعضها ببعض.
فحتى الناس الذين يتصلون ببعضهم إلكترونياً، كثيراً ما يشعرون بالحاجة إلى إنسان حقيقي ويحاولون الالتقاء بما يسمونه الحياة الحقيقية.
لكن الاحتياج إلى التواصل الإنساني لا ينفي قوة سحر الشاشات الإلكترونية. ولا يوجد أي فحص للمخ أو تحليل كيميائي حيوي قادر على تحديد أساس جوعنا الشره للإثارة الإلكترونية.
إن الحاسوب أكثر إغراء لنا بكثير من التليفزيون الذي يحكم قبضته علينا تماماً الآن.
إن الآباء يستطيعون الحد من الاستهلاك الإلكتروني لأبنائهم. ولكننا نحن الكبار أصبحنا أيضاً مدمنين، فهل نحن قادرون على التخلي عن علاقاتنا الإلكترونية ليوم واحد؟! وهل نستطيع الاستغناء عن التليفون أو التليفزيون أو الحاسوب؟!
فلنجرب لمدة أسبوع، قليلون هم الذين يستطيعون ذلك، أما الأغلبية فهناك قوة تدفعهم في الاتجاه العكسي.
إن اعتمادنا على (الحقن الإلكتروني) سوف يزداد إذا أصبحت المستقبلات اللا سلكية التي في حجم كف اليد متاحة بشكل أكبر، فهذه الأجهزة، وهي عبارة عن اتحاد ما بين التليفون والحاسوب والفاكس والتليفزيون، سوف تزوّدنا بمئات من القنوات السمعية والبصرية والنصية. فالمستقبلات المحمولة يدوياً والمرتبطة بالبريد الإلكتروني وخدمات الإنترنت وأجهزة الفاكس مطروحة الآن في الأسواق، لكنها ما زالت غالية جداً بالنسبة لمعظم الناس.