شعور غريب وصفه الشاعر, والناثر وكل ذي حس عما يعتلج في النفس حين يضع المرءُ قدمَه في وطنه عائداً من غياب, أو سائحاً في اغتراب..
لكن الصغير حين يعبر عن شعوره وهو يشمُّ أولَ نسمة في فضائه بعد أن تشرع الطائرة بابَها, فيقول: «الله رائحة الرياض مثل الحلوى».. فتلك غاية الحب.., ومنتهى الاطمئنان.., ومبلغ الصفاء..
الصغير أصدق من يقول بعفوية الحس.., ..فهو يمتح من ثروة قلبه.., ومن مخبأ داخله.., ويبذل التعبير عفو الخاطر, ومحجة النفس..!!
وبالفعل, طعم الحلوى آخر ما يمنح التذوق متعته..,
وأول ما يحرك في الذائقة رغبتها...!
فكيف إن كان الاستطعامُ مرارة في غربة تحول بكُربِها .., أو شجنها بين المرء, وأهله,..
وبينه وشجر شوارع مدينته..,!!
وبينه وعصافير أغصان حديقة منزله..!!
وبينه وبين من يألف ويحب..؟!
كيف إن كان الشوق لعالَم الصغير في حجرة ألعابه, ودمِّيه أصدقاء خلوته ..التي يقضي معها جل الوقت متحدثاً.., متفاهماً, قاصاً.., مراقباً, معبراً, متفوهاً, غاضباً, سعيداً, هامساً, وجاهراً...؟
الصغير حين يعبِّر, فهو الأنقى الأصدق..
والمرء ليس بعقله, وكبر مداركه كما نعلم, وكما أثبتت تجارب البشرية في مساراتها.., وتأريخها.., وأحداثها.., ومواقفها.., وإنما هو كما قال صغير سابق للخليفة عمر: «المرء بأصغريه: قلبه, ولسانه»..
فالمشاعر النقية الصافية تأتي على لسان أكثر البشر حساسية في النقل, وفي البوح.. أولئك هم الصغار.. الكبار..
هم الذين لا تحيرهم فكرة, ولا تلجمهم عبارة عن البوح بما يشعرون..
فمحبة الوطن حلوة كما هوائه..
أجل...
تماماً كقطعة محلاة في أفواههم..!!