أجزم، أن الخلافات المذهبية، والأهداف السياسية المتباينة، لم تمنع من وجود تنسيق بين إيران، وتنظيم القاعدة. فهما وإن كانا خصمين من الناحية الأيديولوجية، والدينية، إلا أنهما حليفان غير معلنين في الالتقاء عند مصالحهما، كمحاولة السيطرة الكاملة على مفاتيح صناعة التفوق في القوة، والنفوذ في المنطقة، والتحكم بمصير الشعوب.
إعادة دراسة التاريخ من جديد، تقتضي دراسة العلاقات بين الطرفين إلى أكثر من عقد من الزمان، حين دعمت إيران تنظيم القاعدة في باكستان، وسمحت أن يتحركوا في المنطقة عبر أراضيها، فكانت إيران بوابة العبور في الدخول، والخروج من، وإلى أفغانستان، والعراق. بل ووفرت لها الدعم المادي، والمعنوي، كتهيئة وكلاء سفر، ووسطاء ماليين ؛ بهدف دعم نشاطات القاعدة في جنوب آسيا، واستغلالها في تنفيذ هجمات ضد أهداف مقصودة، في حال توترت العلاقة مع أطراف أخرى في المنطقة.
حسنا، إذا كان الأمر كذلك، فإن اعترافات بعض من قادة القاعدة تتوالى ؛ لتؤكد بأن التنظيم يدار من إيران، رغم انعدام الثقة حول أيديولوجية الطرفين، والخلافات في الأساليب المنفذة بينهما. وقد كشفت حملة السكينة للحوار -قبل أيام-، بأن تنظيم القاعدة الذي ملأ الدنيا غلوا، وتشددا في أبواب الولاء، والبراء، وحماية العقيدة، والتوحيد - زعموا -، هاهم قادتهم على بُعد أمتار من أضرحة طهران، وحسينيات الملالي، فأبو حفص الموريتاني -شخصية قاعدية معروفة-، بل أحد القادة المنظرين العلميين، ورأس اللجنة الشرعية للتنظيم -لفترة من الزمن-، أصبحت لديه بعض المراجعات عن أفكار، ومنهج القاعدة المتطرف، والذي يخالف الشريعة، عندما سرد شيئا من مذكراته، وبعض المواقف التاريخية لتنظيم القاعدة في مسيرته القتالية، فقد أكد على علاقة التنظيم بإيران، وكيف احتوت إيران عددا من قادة، ورؤوس القاعدة، والشواهد كثيرة، والاعترافات كثيرة. وليست هذه المجموعة القاعدية الوحيدة التي دخلت إيران بسلام، فقد دخل «سليمان أبو الغيث» عدة مرات إيران، والشخصية القاعدية الاستخباراتية الغامضة «سيف العدل»، وقد ذكر «العوفي» -السعودي التائب-، كيف كانوا يخططون من إيران؛ للهجوم على بعض الأماكن في السعودية، -بالإضافة- إلى «محمد المصري» مهندس بعض عمليات القاعدة، ولم تذكر حملة السكينة للحوار-هنا- الكم الهائل من التقارير الإعلامية، والسياسية، التي تربط بين القاعدة، وإيران ؛ لكن ذكرت ما اعترف به عناصر القاعدة -أنفسهم-، وذكروه في مذكراتهم، ومراسلاتهم.
ستستمر العلاقة بين الطرفين تحت مد، وجزر ضغط المجتمع الدولي؛ من أجل الالتقاء على مصالحهما. وسيستمر عنفهما ؛ لتحقيق الأهداف. فأيّا كانت الوسيلة، فهي متاحة لتحقيق الغاية، وترجمة ذلك ما نشاهده من أحداث دموية، وأعمال وحشية على أرض الواقع، -سواء- في العراق، أو في سوريا. بل إن تقارير استخباراتية دولية كشفت عن تحالف بين النظام الإيراني، وتنظيم القاعدة ؛ من أجل دعم نظام بشار الأسد، وأظهرت التقارير : أن فيلق القدس الإيراني، أشرف على تدريب مجاميع من تنظيم القاعدة في منطقة عين تمر -التابعة لمحافظة كربلاء جنوب العراق-.
هذه المعلومات الواردة من داخل النظام الإيراني، أشار إليها - الأستاذ - محمد الياسين في مقاله: «التحالف السري.. إيران والقاعدة أنموذجا!»، وهي تدل على أن استخبارات الحرس الثوري الإيراني، أرسلت - خلال الفترة الماضية - مجاميع كبيرة من قوات الباسيج الإيرانية، مع عناصر من استخبارات الحرس إلى سوريا ؛ للقتال مع ما يسمى بـ»سرايا الدفاع عن سوريا»، و تشكيلات الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد -شقيق الرئيس السوري-. وتتألف تلك المجاميع -بحسب التقرير-، من خمسين عنصراً ما بين مقاتل، وعنصرا استخباريا في كل مجموعة، يتم إدخالهم من إيران إلى العراق، عن طريق قوافل السياحة الدينية ؛ بذريعة زيارة المراقد، والعتبات المقدسة، -بمحافظتي- كربلاء المقدسة، والنجف الأشرف. ويتم إرسالهم إلى سوريا عبر مطار النجف على متن الخطوط الجوية العراقية -حصراً-. وأشار التقرير المسرب إلى، أن فيلق القدس أشرف على تدريب مائتي عنصر من تنظيم القاعدة في قضاء عين تمر بمحافظة كربلاء، بقيادة -المدعو- أبو محجوب الحمصي، وتم إرسالهم إلى سوريا ؛ لاختراق صفوف قوات الجيش السوري الحر. وبحسب التقرير، فإن مجموعات كبيرة من عناصر القاعدة، تم إرسالها إلى سوريا، وهم صنيعة استخبارات الحرس الثوري الإيراني.
وبيّن التقرير، أن عددا كبيرا من مقاتلي القاعدة، تلقوا تدريباتهم العسكرية، والأمنية في معسكرات خاصة في مدينة «تنكه كنش»، الواقعة في إقليم كرمنشاه بإيران؛ للقتال ضد النظام السوري.
إن تلك الخطوة تهدف إلى تشويه صورة مقاتلي المعارضة السورية، عبر اختراق صفوف الجيش الحر، وجمع المعلومات الاستخباراتية، والأمنية عن القدرة العسكرية، وأماكن تواجد القيادات الميدانية، والقيام بعمليات، ومهام سرية توكل إليهم من قبل ضباط استخبارات الحرس الثوري ؛ لنسف جهود فصائل المعارضة الرامية إلى إسقاط نظام الأسد. وأشار التقرير إلى، أن تلك الخطوة جرى التخطيط، والإعداد لها من قبل النظام الإيراني - بعد مضي عام على اندلاع الثورة السورية -، وتشكيل الجيش الحر؛ لتحقيق عدة أهداف، منها : تخويف المجتمع الدولي من تحول سوريا إلى قاعدة للتنظيمات الإرهابية في حال سقط الأسد. وتابعت المعلومات الكشف عن حجم المؤامرة، التي ينفذها النظام الإيراني بتحالفه مع القاعدة، حيث جرى التنسيق في هذا الجانب بين استخبارات الحرس الثوري، وحزب الله اللبناني، الذي تبنى مهمة تجنيد عناصر سلفية فلسطينية متشددة ؛ للذهاب إلى سوريا، والقتال ضد النظام السوري ؛ تحقيقا لأهداف المخطط الإيراني. ويقول التقرير -أيضا-: إن المخطط يحظى بدعم مالي، ولوجستي كبير من قبل الحكومة العراقية، وحزب الدعوة، الذي يتزعمه -رئيس الوزراء العراقي- نوري المالكي.
تلك المعلومات المسربة من داخل قيادة الحرس الثوري، أزال الغموض عن الكثير من الممارسات، التي تقوم بها تنظيمات القاعدة في سوريا، وفي المقدمة منها: ما تسمى «جبهة النصرة». ومحاولة اغتيال -العقيد- رياض الأسعد -قائد الجيش السوري الحر-، بعملية كادت أن تحقق هدفها. -وكذلك- المشاهد البشعة التي تتداولها وسائل الإعلام العالمية عن ممارسات عناصر القاعدة، -وخصوصا- مقطع الفيديو الذي أظهر تشريح أحد مقاتلي القاعدة لجسد جندي سوري، واقتلع قلبه، وبدأ بالتهامه.
ويصف -الأستاذ- محمد الياسين، تلك الممارسات التي تقوم بها الجماعات المحسوبة على تنظيم القاعدة في سوريا، بأنها: «ممارسات مدروسة، هادفة إلى إجهاض الثورة السورية، وبدأت بالفعل أهداف المخطط الذي وضعه النظام الإيراني بالتعاون مع حزب الله اللبناني، وحكومة المالكي بالتحقق، فتراجع الدعم الدولي للثوار السوريين؛ بسبب تواجد جبهة النصرة، ومقاتلي القاعدة، وإمساكهم بمفاصل حساسة، ومؤثرة بخارطة القتال الدائر في البلاد، ثم التصعيد الخطير الذي لجأت إليه عناصر ما تسمى: جبهة النصرة، بمهاجمة المناطق الكردية في سوريا، ومحاربة القوى الفاعلة فيها، وهي خطة موجهة من قبل النظام الإيراني؛ لإرباك، وإضعاف صفوف الثوار السوريين. فقد أسهمت تلك الممارسات في تقدم القوات الحكومية، وتحقيقها انتصارات عسكرية، وإستراتيجية في الجغرافية السورية الملتهبة، وأعطت المبرر لتدخل حزب الله اللبناني، والميليشيات العراقية بشكل علني، ومباشر بالقتال الدائر في سوريا».