تتفاقم المأساة الإنسانية التي يعيشها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوبي دمشق، بعد أن عانى من استمرار الحصار الجائر، الذي يفرضه الجيش النظامي على مداخل المخيم، ومخارجه، والذي يمنع بموجبه الأهالي من إدخال المواد الغذائية، والأدوية، والمواد الإغاثية إليه؛ لتكون سياسة الحصار أحد خيوط الحبكة، التي ضلت الطريق في مناقشة أركان النظام السوري المجرم. ورغم تصاعد التحذيرات الدولية، والأهلية، التي أطلقتها وكالة «الأنروا»، وهيئات العمل الإغاثي؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مخيم اليرموك السوري، والعمل على فتح ممرات إنسانية؛ لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن المأساة تزداد يوما بعد يوم، حتى هُجر أكثر من «150» ألف فلسطيني من المخيم، وذلك حسب الأرقام المتتالية.
أيادي قذرة مستأجرة، وظاهرة لا إنسانية، وسياسة ذات أبعاد إستراتيجية، لم تشهدها أي منطقة من مناطق الصراع الساخنة على التراب السوري، - سواء - لجهة فك الحصار، أو إخراج الحالات الصعبة من داخل المخيم، أو حتى إدخال المساعدات الطبية، والغذائية. الأمر الذي يجعلني أستشرف المستقبل؛ لأقول: إن الأوضاع في مخيم اليرموك باتت تشكل كارثة إنسانية حقيقية، تهدد حياة ما تبقى من اللاجئين هناك.
ذكرني تدمير كل المخيمات الفلسطينية في سوريا، بدءا من مخيم اللاذقية، ومرورا بمخيم درعا، ووصولا إلى مخيم اليرموك، ومدى الظلم الصارخ الذي يمارسه النظام على الإنسان، حين اتخذ أكثر من أربعين ألفا من سكان المخيم كرهائن، ودروع بشرية منذ أكثر من «190» يوما، بما تعرض له الشعب الفلسطيني إبان جريمة النكبة، التي ارتكبتها عصابات العدو الصهيوني عام 1948م. فتهجير الفلسطينيين مرة أخرى، والدفع باتجاه تفريغ المخيمات من ساكنيها، سيصب في زاوية ضرب حق عودة هؤلاء إلى ديارهم التي هُجّروا منها.
في السياق ذاته، فإن ما يحدث في المخيم يمثل أوضاعا عاصفة. ويبدو أن المستقبل لا يحمل حلا قريبا لساكنيه، بل من المتوقع أن تزداد المعاناة بشكل تصاعدي، وسوف تتجاوز آثاره السيئة كثيرا مساحة المخيم المنكوب، ومساحة الوجود الفلسطيني بكامله في سوريا، بعد أن وصل الحال إلى الوضع البائس، الذي آل إليه من استمرار الأزمة، وإطالة أمدها.
إنسانيا، فإن مطالبة النظام السوري بضرورة تحييد المخيمات الفلسطينية، وعدم استخدامهم وقودا لأهداف ضيقة؛ لتكون الأولوية - حاليا - العمل على فتح ممرات آمنة؛ لإدخال المساعدات إلى اللاجئين المحاصرين. وغير ذلك، سيضع أنظمة النظام في موضع المسائلة، والمحاسبة أمام التاريخ، ثم أمام محكمة الجرائم الدولية.