شرع الله الشهادة عند التقاضي لتكون أحد طرق الإثبات التي يحكم القاضي بموجبها في إثبات حق أو نفيه كما قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ..... (الآية).
وعند التقاضي يتساهل كثير من أصحاب الدعاوى بأمر الشهادة، حتى ظنها البعض من روتين العمل فيبحث عن الشاهد وهو لا يعرفه وربما تكون المسألة نوعاً من المقايضة بأن يشهد كل منهما للآخر، وفي حال عدم معرفة الشاهد موضوع الشهادة يقوم المدعي صاحب القضية بتلقين الشاهد ما يجب أن يقوله أمام القاضي ، وهذا يكثر غالبا في إثبات حصر الورثة وقد يوجد في إثبات الحقوق. وهذا النوع من الشهادة بهذا الأسلوب لا يخرج عن كونه ضربا من شهادة الزور التي ورد فيها الوعيد الشديد، لأن الشاهد يشهد بشيء لا يعلمه على وجه الحقيقة وإنما حفظه من المدعي في المحكمة بالتلقين ودور الشاهد الإدلاء بما أملاه عليه المدعي، وهذا وإن وافق الحقيقة فهو تمويه وكذب مبطن، لأن من شرط الشهادة أن يكون الشاهد عالما بما يشهد به علما أزليا قبل طلب الشهادة منه ، ويكون مدركا ما يقول بوضوح كالشمس في رابعة النهار، فالعلم بالمشهود به شرط لصحة الشهادة (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون).
ومما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع : أن شخصا استوقفني في المحكمة يريد الشهادة على حصر الورثة فلما قلت له: لا أعرفك ولا أعرف الورثة قال أنا فلان بن فلان والورثة هم..... وجعل يعدهم علي واحداً تلو الآخر، فنصحته وبينت له خطأه واعتذرت منه ثم انصرف.
لذا فإني أنصح كل صاحب دعوى أن يتق الله ويحذر من هذا العمل فإن فيه إعانة على الإثم والحصول على إثبات دعواه بطريق غير شرعي، كما أنه لا يليق بالمسلم أن يتساهل في أمر الشهادة ، والقاضي إنما يقضي على نحو ما يسمع.