مثل بعض المثقفين السعوديين كمثل سائق فشلت مكابح سيارته وهو في منحدر حاد قد فرضه عليه الطريق فرضا وحاول السائق تفاديه فلم يستطع، فأخذ يحكك السيارة بالحواجز ليُهدئ من سرعتها ليتفادى السقوط في الهاوية، ومن فوق رأسه صياح راكب يعاتبه على سلوك طريق المنحدر ويلومه على عدم صيانة المكابح وينهاه عن حك السيارة الفاخرة بالحواجز حفاظا على رونقها وجمالها. فالسيارة هي بلادنا والسائق ولاة أمرها والراكب بعض المثقفين ومن تبعهم من الشباب والمنحدر هو إيران.
يعترض بعض المثقفين والشباب فيقولون لم نتعرض لإيران ولم لا نصلح معها! عجيب هذا القول، فنحن لم نتعرض إيران ولم نؤذيها ولم نتعد عليها مطلقا ولم نتحرش بها ولم نحاول قط تصدير أفكارنا لهم، بل إننا أرسلنا بعض علمائنا لهم في محاولة التقرب إليهم وصداقتهم عند قيام ثورتهم المشئومة عليهم وعلى العالم. وقد صبرنا عقودا على أذيتهم وتحرشاتهم وشرورهم في مظاهرات الحج، ومحاولات نشر الرعب والفوضى فيه، بل وكتمنا كثيرا من مكائدهم التي أبطلناها. وحاول الملك عبد الله عندما كان وليا للعهد بشتى الطرق بناء الجسور أيام خاتمي، وكاد الزعيمان أن ينجحا، لولا شياطين آيات قم وطردهم لخاتمي.
لم تحاول بلادنا ولا أي دولة مسلمة قط من قبل ثورة -الشيطان الأكبر- الخميني أو من بعده، التدخل في شيعة إيران أو في سنة إيران. لم نحاول قط تصدير سلفيتنا لهم ولم نحاول قط التدخل في أحوال السنة المسحوقين كذلك. ولكن إيران -متمثلة في شياطين آياتها- هي من أراد تصدير الثورة وتقسيم العالم العربي لطوائف، وإحياء النزاع الطائفي السني الشيعي. فزرعت إيران حزب الشيطان في لبنان، وأخرجت سوريا من الولاء العربي.
سوريا وما أدراك عن سوريا. أهل مكة أدرى بشعابها، ولذا لم تتدخل بلادنا في سوريا المحكومة بالنار والحديد من النصيرية من قبل، حتى بعد مذبحة السنة في حماة، اللهم إلا في استقبال أهلها المشردين. لم تتدخل بلادنا قط من قبل في سوريا إلا بعد أن أفسد سوريا ولاؤها لإيران، فتآمرت معها ضد بلادنا. فقد جن جنون إيران بعد سقوط الحزب البعثي في العراق وديمقراطية بوش، فتفجرت أطماعها بالسيطرة على شمال الجزيرة العربية لتصدير ثورتها الشيطانية للجزيرة العربية. والله ما أنصفنا بعض مثقفينا ولو فعلوا لعلموا أن آيات شياطين قم في إيران هم من أشعل الطائفية البغيضة في العالم الإسلامي ولسنا نحن، وهم من أفسدوا العراق وهم من خربوا سوريا ولبنان.
أهل مكة أدرى بشعابها، ولذا فمن الحصافة عدم التدخل في ثورات الشعوب، فمن يدري أثورة حق هي أم ثورة شيطان كالثورة الخمينية. والثورات عبر التاريخ لن تأتي بخير قط. ولذا لم تتدخل بلادنا في تونس ولا في ليبيا عند ثورة شعوبهما، بالرغم من شر القذافي وتطاوله، لأنها كانت نابعة من أحقاده الشخصية وجنونه فترفعت عنه بلادنا لمصالح البلدين. وهكذا لم تتدخل بلادنا في ثورة مصر الأولى، ولا يليق بها إلا الحياد. صحيح أن بلادنا لم تساند مرسي كما ساندت السيسي، ولكنها لم تتدخل ضده، وهكذا فعلت بلادنا مع الإمبراطورية العظمى أمريكا، فمغازلة إيران في هذا الوقت الحرج لا تهاون معه، والكيل فيه بمكيال واحد.
عجيب لبعض مثقفينا ومن تبعهم من بعض شبابنا، ينشغلون في المثاليات وينسون الأوليات. الأولوية اليوم للُحمة الوطنية ولوحدة البلاد، ولو حصل في ذلك تجاوزات، فهذه هي معركتنا الحاضرة، والحرب خدعة، ولا نصر بلا تضحيات. وقد قُتل أربعة عشر شهيدا من المسلمين في بدر الكبرى وهي أعظم نصر في الإسلام.
العاقل من يقدر للأوليات قدرها فيقدمها، ولو كان لها كلفة إنسانية ومادية وأخلاقية، فكسر الخواطر معفي عنه إن كان بدلا من كسر الرقاب. والعاقل من يدع عنه النظر إلى الوراء وإضاعة العمر في لوم وعتاب لا فائدة منه، ويصرف الجهد في سبيل حفظ اليوم. وكل راعٍ مسئول عن رعيته، ومن أصدق كلام العرب وأحكمه قول عبد المطلب أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه.