ارتفاع سقف توقعات الشارع بتعيين سمو الأمير خالد الفيصل وزيرا للتعليم، قد يؤدي إلى تزهيد الناس في أي خطط إصلاحية كبيرة ومتوقعة يعتمدها ويتبناها الفيصل في قيادته لوازرة التعليم. وهذا مما لا يريده أي رمز وطني أن يحدث له بعد رحلة طويلة في العمل الوطني. وقد سألت هنا وهناك عن ماهية توقعات الإصلاحات لوزارة التعليم، فلم أجد إجابة واضحة ومحددة، إلا أن الفكرة العامة لمن تحاورت معه تدور حول تخريج جيل يتوافق مستواه التعليمي والثقافي مع المستوى العلمي والثقافي والفكري المعاصر، تُمكن السعودي من المُزاحمة العالمية على تحصيل أفضل سبل الحياة المتوفرة.
وأعتقد أن الإصلاح الاستراتيجي الشامل والعميق للتعليم يتحقق عندما نستطيع أن نصلح العملية التعليمية نفسها. والتي تقوم بتخريج طالب مؤهل لما بعد هذه المرحلة، فكريا -أي المقدرة على التفكير والاستنباط والتحليل-، وعلميا -أي بالعلوم الضرورية التطبيقية والثقافية- ونفسيا- أي المقدرة على تبني الاستقلالية التي سيواجهها-. فمرحلة ما بعد الثانوية ليست أكثر صعوبة مما بعدها تعليميا، بل هي أكثر تحديا، لكونها مرحلة استقلالية ينفطم فيها الطالب عن أمومة المؤسسة التعليمية، فيصبح عليه مسئولية اتخاذ القرارات التعليمية منها والحياتية، سواء انخرط في جامعة أو معهد أو غيره.
ومكونات العملية التعليمية كثيرة فمنها المبنى والأجهزة وغيرها، وهذه كلها إدارية، يُصلح أمورها إداري جيد. ولكن ركائز مكونات العملية التعليمية ثلاثة هي المنهج والمدرس والطالب، والمشكلة والصعوبة والتحدي كله يكمن في المدرس والطالب بالتحديد. فأنا أعتقد أن أمر إصلاح المناهج سهل. بل وأعتقد أنه يمكن المجادلة بأننا لا نعرف إن كان للمناهج دور واضح في التأثير سلبيا على مخرجات التعليم، ولا يوجد لدينا مشكلة حقيقية في منهج مادة ما، مهما تطرفت بعض عبارته أو ضعف مستواه العلمي، وذلك لسببين: الأول أن تعديل هذا التطرف أو تحسين مستوى المناهج العلمية أمر يسير. والسبب الثاني وهو الأهم أن غالبية من يتخرج من المدارس لم يدري أصلا عن هذه العبارات المتطرفة أو لم يفهمها قط ولا تؤثر في تعليمه وثقافته المستقبلية. فضعف الطالب في هذا المنهج الذي يقال بأنه بدائي أو مُتطرف في بعض عبارته، لا يختلف عن ضعف الطالب عموما بما يخرج به من دراسة المناهج العلمية الأخرى. فبما أننا نعتقد أن الطالب يتخرج من الثانوي وهو لم يفهم ما درس (حتى قيل إنه لا يحسن الكتابة)، إذا فوجود هذه العبارات أو عدمه، وكذلك تحسين هذا المنهج أو تركه على حاله، ليس جوهر المشكلة اليوم، ما دام وجودها وعدمه سواء، فالنتيجة هو أنه لن يفهم شيئا. لذا فأعتقد أن التحدي الأكبر الذي يواجه الفيصل هو المدرس والطالب. فالمدرس والطالب صناعة ثقافة المجتمع ككل بجميع مؤسساته، وهذه الثقافة ستشكل العائق الذي يؤخر العملية الإصلاحية الجادة، مما قد يسبب بتوقفها نهائيا بعد ذلك، إلا إذا أمكننا عزلها عن الحلول التطبيقية.
وبما أن الثقافة السعودية العامة بكل تعقيداتها وتشابكها أمر مُشاع ولا يختص بوزارة التعليم، فإنني أعتقد أنه يجب عزلها عند التشخيص وعند اقتراح الحلول التطبيقية العملية، فالتنظير غير القابل للتطبيق، إن كان صحيحا، فهو ترف عقلي لسنا بحاجة له الآن. ولكي لا يكون حديثي من الترف التنظيري فسأرمي بسهم كمثال تطبيقي على مقصد ما أقول. فمن الوسائل لعزل الثقافة العامة نسبيا في عملية تشخيص موضع العلة في العملية التعليمية، يكون باعتبار جانب حال الزمان والمكان لكل من المدرس والطالب في الإجابة عن هذا السؤال: بأنه بالرغم من تماثل الأنظمة والمناهج والميزانيات المادية بين جميع المدارس في المملكة، فلماذا نلاحظ تفاوتا واسعا في مستوى النجاح والتفوق في مرحلة ما بعد الثانوية بين خريجي الثانوية من مدينة إلى مدينة أخرى، بل وبين مدرسة ومدرسة أخرى في نفس المدينة. وهذا التفاوت موجود في كثير من دول العالم إلا أنه معروف الأسباب، وتشرح عادة كثيرا من القصور العلمي عندهم. ففي أمريكا مثلا هذا التفاوت واضح جدا ومعترف به وله إحصائياته. ولكن سببه كذلك معروف، وهو التفاوت في الإنفاق على التعليم العام بين حي وحي فضلا عن التفاوت بين مدينة ومدينة أو ولاية وولاية. ونحن عندنا كذلك أسباب لهذا التفاوت بعضها واضح وبعضها خفي، ليس المقام مقام طرحها وتحديها وقائعيا ومنطقيا.