يطلق منتدى التنافسية الدولي الذي تعتاد على تنظيمه هيئة الاستثمار دورته الجديدة (الدورة السابعة 2014م) لتعزيز القدرات التنافسية للمملكة، مركزاً في هذه الدورة على بناء الشراكات التنافسية.. وتتشكّل هذه الشراكات المبتغاة في شراكات تنافسية على مستوى مؤسسات الدولة بكافة أجهزتها وهيئاتها ذات الصلة بالمجال الاقتصادي، وبين منشآت القطاع الخاص التي تمثّل صلب هذه التنافسية بشقيه المحلي والأجنبي.
موضوع التنافسية، وبخاصة عندما نتكلم عن القدرة التنافسية، يعتبره البعض مجالاً اقتصادياً بحتاً، ومعقداً وغير مستساغ لأنه ينم عن نظريات اقتصادية قد لا تكون سهلة الاستيعاب لدى الكثيرين.. فالاقتصادات منذ القدم كانت مهتمة بالميزة النسبية التي ترتكز على نقاط وجوانب التميز التي تمتلكها الدولة عن غيرها من الدول الأخرى، مثلاً دولة تمتلك منتجات الطاقة، فهي تتميز فيها نسبياً عن دول أخرى لا تمتلكها.. أيضاً دول تمتلك الزراعة، وبالتالي فهي تمتلك مزايا نسبية لا تستطيع الدول الأخرى أن تنافسها فيها.. إلا أن هذا الحال تطور كثيراً بظهور نظرية أو مفهوم القدرة التنافسية، حيث تستطيع الدول أن تتفوق وتتنافس على غيرها من الدول الأخرى نتيجة امتلاكها قدرات تنافسية، فقد تبلورت فكرة التنافسية نتيجة لتعدد الفرص في السوق العالمي، ووفرة المعلومات عن عناصر السوق ومتطلباته، والتقدم المذهل في مجال الاتصالات وتطور وسائل نقل المعلومات، وتعدد البدائل والاختيارات أمام متخذي القرارات.. حتى وجدنا دولاً لا تمتلك أي مزايا نسبية (لا زراعة ولا صناعة أو حتى رؤوس أموال)، ولكنها أصبحت تتفوق على غيرها من الدول الأخرى.. وخير مثال دول جنوب شرق آسيا التي تتفوق على غيرها من الدول وحققت معدلات نمو عالية ومرتفعة، دونما أي مزايا نسبية تمتلكها في كثير من الأحوال.
وتشير الدراسات إلى أن هذه القدرة التنافسية تقوم على تنمية المعرفة كمحك أساس للتقدم التكنولوجي وتطبيقاته، فالدولة التي تستطيع تحقيق مستوى مرتفع من المعرفة، تكون قادرة على توليد ثروة أكبر من منافسيها في الأسواق العالمية.
وقد تطور مفهوم التنافسية من تنافسية الدول، إلى تنافسية الشركات، بل ظهرت أيضاً تنافسية بين المدن داخل الدول المختلفة أو حتى داخل الدولة الواحدة.. وإذا رغبنا في تسهيل مفهوم التنافسية، فهي تنافسية بين الدول في جذب التجارة والاستثمار، فكل دولة ترغب في تحقيق معدلات أعلى من الصادرات، وأيضاً تحقيق معدلات أعلى من جذب رؤوس الأموال الأجنبية إليها، وهذان المعياران يُعتبران أساس التنافسية، فلو نجحت الدولة فيهما، يقال إنها أحرزت كل التنافسية.
فسوقا الصادرات والاستثمار الأجنبي، أصبحا سوقين زاخرين بالتنافس، فكل دولة ترغب في تصدير أكبر قدر من منتجاتها إلى أكبر عدد من الدول، وكلما اخترقت صادرات الدولة الحدود الجغرافية لعدد دول أعلى كلما قيل إنها أكثر نجاحاً.. ومن الجانب الآخر، كلما نجحت الدولة في جذب رؤوس أموال أجنبية (كبيرة) من عدد أكبر من الدول الأخرى، وبخاصة من الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، كلما قيل إنها أعلى تنافسية.
الآن في المملكة، وبعد جهود حثيثة، وبعد ست منتديات سابقة أُثيرت فيها كل مبادئ وأسس التنافسية، انتقل الحديث عن الشراكات التنافسية التي تفتح الباب لقوة التنافسية الداخلية وبخاصة مع القطاع الخاص، التي تضمن الكفاءة الإنتاجية، وتحقق التنمية المستدامة، مثل نقل التقنية، وتوطين الوظائف والخبرات، وبناء الكوادر الوطنية المؤهلة، وسبل تمكين الاستثمارات النوعية، وأهمية تأسيس كيانات وطنية للاستثمار في القطاعات الواعدة.. وهذه المرحلة تمثل محطة مهمة، لأنها تُؤسس في الحقيقة للتنافسية بمفهومها الواسع، وهو المفهوم الذي يقوم على الشراكة مع منشآت القطاع الخاص، تجارة واستثماراً، خصوصاً أن الحديث هنا عن منشآت القطاع الخاص بشقيه الوطني والأجنبي.