يُلقي مفهوم «الخطيئة» باللوم دومًا على المرأة، وتنحصر هذه الرؤية تجاهها باعتبارها الكائن الأول والأوحد المسؤول عن غواية الرجل، هذا الكلام ليس المرة الأولى ولن تكون الأخيرة وأنا أقوله وأكتبه، إنما هو أتى نتيجة إرث تاريخي تتحمّل وزره المرأة وحدها. حيثما ما زال - بعضهم- يُصر أنها السبب الأساسي في ذلك، في حين أن النصوص القرآنية أتت واضحة وصريحة في هذا السياق، وحملتهما - الرجل والمرأة- مسؤولية الخطأ ولم تحمله المرأة وحدها.
فكرة المرأة مقابل الخطيئة، تعشعش في الذهن المجتمعي إلى اليوم، لم تتقدّم ولم تتغيّر، بقيت تقاوم كل الأفكار التي تحاول تعديلها، هي فكرة راسخة ومتجذّرة، وعلاجها يحتاج إلى صحوة فكرية، هذه الصحوة لن تتم ما دمنا نعيش في مجتمعات ذكورية، ترفع الراية فيها النساء قبل الرجال، وتُحارب المرأة حقوق المرأة لأنها ترى نفسها كائناً يجب أن يعيش ويموت ذليلاً ومكسورًا كجزء من الأنوثة!
في الحقيقة، لم أتفاجأ - مُطلقًا- وأنا أقرأ نتائج الدراسة السعودية التي أجراها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، والتي أظهرت نتائجها أن 85% من عينة الدراسة العشوائية والبالغ عددها 992 مواطنة ومواطناً، يُحملّون الفتيات مسؤولية التحرّش، طبيعي جدًا في مجتمع كل تهديده ووعيده مُنصب على المرأة، ويهتم بشكلها الخارجي ولا ينظر أبدًا لجوهرها الداخلي، أن تكون نظرته للمرأة بهذه الصورة، في ظل غياب تام لبرامج وفعاليات تربوية ودينية، منهجية وغير منهجية، تحاول تقويم هذه النظرة ليس في ذهن الرجل فحسب، بل في ذهن المرأة لنفسها وكينونتها، تذكيرها بأنها إنسان كامل وأنه في حال نيله حقوقه ودفعه واجباته فإن هذا لا يُقلِّل من مميزاته، وأن الاستكانة والأنوثة لها مكان ومقام تخرج فيه وأنها ليست على حساب وجودها الإنساني. كثيرة هي المفاهيم التي تنقص هذا المجتمع فانتقصت أفكاره ورؤاه ومنتجات أطروحاته تجاه المرأة!
يُلقي - بعضهم- التهم على الدين الإسلامي وأنه لم يساو بين المرأة والرجل، وهؤلاء فريقان، الأول: هم من يُكيلون الكره لهذا الدين فألصقوا به التهم الباطلة. والثاني: هم من منحوا لأنفسهم توكيلاً غير رسمي للحديث باسم الدين، فصاروا يسيئون له بعلم أو دون علم. وكلاهما يقلِّل من شأن المرأة في الدين الإسلامي، وهو من ساوى بينها وبين الرجل في كل الحقوق والواجبات، وكذلك في الالتزامات والعقوبات، لو كانت المرأة هي المسؤول عن الخطيئة كما هو في الأعراف المجتمعية، لكان الله -عزَّ وجلَّ - قادرًا أن يجعل عقوبتها في الزنى ضعف عقوبة الرجل، وبالتالي فلا بد أن يتم التطبيق المنهجي والموضوعي في حياتنا وتفكيرنا، سواء فيما يخص المرأة، أو غيرها.
الإسلام أتى حاملاً مشعل التنوير، لكن هذه المشاعل تواجه من يعمل ليل نهار على إطفائها باسم الدين أيضًا، وغياب الوعي ينفث هواءً سامًا في بيارق الضوء!