تعاطى الاقتصاد السعودي مع الأزمات المالية العالمية منذ 2008 بنوع من الصمود رغم التأثيرات التي لحقت به جراء تلك الأزمات، وفي المقابل تعاطى إيجابياً مع التغيرات المتسارعة للاقتصاد العالمي والإقليمي، ودليل ذلك القفزات المتوالية للمملكة في مقاييس التصنيفات العالمية عاماً بعد عام، فالمملكة الآن هي أحد أكبر 20 اقتصاداً في العالم حيث حققت المرتبة 19، وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإحدى أكبر الدول الجاذبة للاستثمار المباشر، واحتلت المملكة المرتبة الخامسة عالمياً في الحرية المالية، ولديها نظام ضريبي مصنف في المرتبة الثالثة عالمياً ويُعتبر من ضمن أفضل النظم الضريبية تحفيزاً للاستثمار، ومن أسرع دول العالم نمواً، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي 6.8% في 2012 كما بلغ متوسط دخل الفرد 25000 دولار خلال نفس العام. واحتلت المملكة المرتبة 18 بين 144 دولة في مؤشر التنافسية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي WEF 2013, وتتمتع ببيئة استثمارية جاذبة وسريعة التكيف مع المتغيرات العالمية.. وتمثّل المملكة أكبر اقتصاد حر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. وتستحوذ على 25% من مجموع الناتج المحلى الإجمالي العربي ولديها 25% من احتياطي النفط في العالم.. وتحتل المرتبة 22 ضمن 185 دولة في التصنيف العالمي من حيث سهولة ممارسة أنشطة الأعمال. وقادت المزايا النسبية التي تمتلكها المملكة في القطاعات الإستراتيجية إلى تنامي وتيرة اهتمام الاستثمار الأجنبي خلال السنوات الماضية، وتوالت الجهود في تحسين مناخ الاستثمار وأصبحت البيئة في المملكة تتميز بالتطور المستمر، ورفع مستوى عوامل جذب الاستثمار الأجنبي انطلاقاً من إصدار المملكة نظام الاستثمار الأجنبي عام 2000، وشموله على حوافز تنظيمية أتى في طليعتها تأسيس هيئة الاستثمار لتكون الجهة المسئولة عن إعطاء التراخيص للمستثمرين الأجانب والتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة من أجل إكمال إجراءات الموافقة والتصديق عليها وسرعة البت في الطلبات وتسجيل المشروعات وإنهاء الإجراءات التنظيمية خلال ثلاثين يوماً من استيفاء متطلبات ومستندات منح الترخيص من الهيئة، بالإضافة إلى التأكيد على تمتع منشآت الاستثمار الأجنبي بالمزايا والحوافز والضمانات التي تتمتع بها المنشآت الوطنية بحسب الأنظمة والتعليمات.
كما نصت القرارات على تعديل نظام الشركات بإلغاء الحد الأدنى المطلوب لرأس المال للشركات ذات المسئولية المحدودة وتملك العقارات ذات العلاقة المباشرة بالمنشأة المرخصة من الهيئة بما في ذلك الإقامة والسكن للموظفين. والسماح بتحويل رأس المال والأرباح للخارج بالإضافة إلى حرية حركة الأسهم بين الشركاء وفقاً للأنظمة ذات العلاقة. واشتملت التنظيمات على منح حزمة حوافز كتمتع الاستثمارات الأجنبية بالمزايا المتاحة حسب الاتفاقيات الثنائية والجماعية المتعلقة بالضرائب والاستثمار، وعدم وجود ضرائب على الدخل الفردي.. بالإضافة إلى تحديد الضرائب على الشركات بـ 20% من صافي الأرباح فقط وإمكانية ترحيل الخسائر لسنوات مقبلة فيما يتعلق بالضرائب. كما أفسحت الأنظمة المجال للمستثمرين الأجانب ومنحتهم الحق في الاستفادة من المؤسسات التمويلية المتخصصة المحلية والدولية وتطبيق أسعار تنافسية لخدمات المياه والكهرباء والأراضي للمشروعات التجارية والصناعية وتيسير المنح المالية للبحوث والتنمية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST)، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (KACST).
ووفقاً لمراقبين لم تكن المملكة أكثر التزاماً بدعم النمو الاقتصادي كما هي الآن، فالنمو القوى في الإيرادات الحكومية يدعم نسبة الزيادة التي تعادل 10% أو أكثر في إنفاق الحكومة على المشروعات الاجتماعية، ومشروعات البنية الأساسية وغيرها من المشروعات الاستثمارية، بل ربما يكون الأمر أكثر جلاءً على المدى البعيد، ولا شك أن وجود مناخ اقتصادي تزداد فيه التنافسية سيحدث تطوراً في شكل وبنية الاستثمار عندما يضطلع القطاع الخاص بدور بارز ومتزايد في الاقتصاد.
لقد ساهمت الفرص الاستثمارية المتنوعة والجهود التي تبذلها المملكة بهدف تنويع اقتصادها في جعلها في وضع يدعو للتفاؤل بما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر، وتجلى مدى قوة ومتانة اقتصاد المملكة خلال السنوات لماضية التي تأثر فيها الاقتصاد العالمي بشدة جراء أزمة السيولة العالمية، حيث أضحت المملكة بيئة جاذبة للمشروعات المحلية والأجنبية بفضل توفر السيولة المالية وتمتع المملكة بوضع اقتصادي مستقر ساهم به الإنفاق الحكومي، والسياسات المالية، ومعدلات تكلفة القروض المنخفضة والسيطرة المستمرة على معدلات التضخم.
ووفقاً لتقرير التكامل الإقليمي والاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصادات النامية والانتقالية الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) فقد حققت المملكة زيادة في رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر من البلدان المتقدمة بمقدار سبعة أمثال تقريباً خلال العقد الماضي.