نظرت إلى مرآتي، لأتفقد ذاتي، فهالني ما رأيت بشرة صفراء ذابلة.. ودمعة حزينة حائرة، رأيت نفسي (شجرة) بلا امتداد أو فروع، مقطعة الأغصان والعروق، هائمة في صحراء بلا حدود، يلفحني الهجير، ويجمدني الصقيع، وأخذت تخنقني العبرات، وحيدة أنا، كسيرة أنا، محرومة أنا، آه ما أشد شقائي! أدمتني الجراح، وغادرتني الأفراح، وعصفت بي النوازل والأتراح، لكن: من رحمة ربي ومنه أن أوجدك في حياتي البائسة الكالحة، فكنت الضياء... وكنت العطاء، نسمة حانية في ليلة صيف حارق، فحمداً لله حمداً وأزيده تعظيماً وشكراً، على إكرامه لي بك، وكم هو رائع (تعريف الصداقة) لأني هلال العسكري بأنها (اتفاق الضمائر على المودة) فيا ضميري الناطق بحبي لك والشاهد على مودتي، من كثرة تعلقي بك، وعدم إحساسي بالحياة دونك، وددت لو أن الميت يخبر من يصطحبه في قبره لأخترتك أنت بعد عمر حافل - بإذنه تعالى - بالعطاء والعبادة والمسرات، فنعم الخليلة أنت وصدق الخالق: {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (125) سورة النساء، ونعم الرفيقة. أنت من أتمنى مرافقتها للجنة كا سعدت برفقتها في الدنيا، لان محبتك أمر إلهي قدري، وصفوا ودادك طبيعي فطري، لكم وقفت بجانبي في أزمتي، كنت عوناً لي في شدتي، ومؤنسة في وحدتي، حافظة لمودتي، ومدافعة عني في غيبتي، لولاك ما استطعت اجتياز العقبات، وقفت معي وقفة شموخ وإباء بعد أن أنهكتني المصائب والويلات، وتوالت المصاعب والآهات، بعد أن نال التعب مني كل منال، وجارت علي الليالي والأيام، كنت تساندين حيما اشتد الكرب، وعظم الخطب، وكشر عن أنيابه الرفيق، وتخاذل حتى أقرب قريب، بقيت ساندة، مواسية، لم تتغيري وتتبدلي، أو تختلف عليك المشاعر أو المواقف، واثقة بنفسك وقبلها بربك، ثم برفيقة دربك، ذكية أنت، لا تلتبس عليك الأوراق حتى في أشد ما نزرعه اليوم، تحصد غداً، وما لا تقبله لأهلك اليوم تجده ولو بعد حين لصق بهم (دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا)، التسلل في الليل كالخفاش فعل مشين مسيء فالتلصص ودخول البيوت خلسة يعرض سمعته للانهيار، فكيف تقبل أن تهم من أرضتك زوجاً بالسوء؟ الزواج إعلان وإشهار وإلا لم تقام الأعراس إذاً؟ وأنت يا من جار عليك دهرك كيف تقبلين بهذا الظلم؟ ولو اضطررت له مرة ورأيت كم من التلاعب بك والاحتقار لك من قبل هذا الشريك، كيف تعيدين الكرة مرة ومرة؟! كم من القصص التي يدمى لها القلب بسبب هذا المسيار، فبعضهم أول ما علمحملها طلقها ورفض الاعتراف بالجنين!! وآخر طردها في آخر الليل قائلاً: لم نتفق على الإنجاب!! يا سبحان الله! ما حيلتها إذاً رزقها الله؟ وهل لك أو لها الخيرة الخيرة إذا قضى الله امراً؟ بأي مروءة تتخلى عن قطعة منك وعن هذه المسكينة التي أوقعها حظها العاثر بك وتعرضها للفضيحة؟ وآخر تزوجها أسبوعاً واحداً فقط واختفى ولم يعرف عنه شيئاً بعد أن تبين أنه تزوجها باسم مستعار!! ومنهم من تزوجها لثلاث ليال فقط، بعد أن أخذها للفندق الذي يقطنه أثناء عمله خارج مدينته، تركها بعد هذه الليالي المعدودات عاماً كاملاً لا وصل ولا فصل، لا إقبال ولا إدبار، لا زواج ولا طلاق، أهذا عدل يا عبدالله؟؟ الزواج أمر سماوي شرعي، تقام عليه المجتمعات فلا تتلاعب بشرع الله حتى لا يختلط الحلال بالحرام، وتشيع الفاحشة والرذيلة، وأنتن يا حرائرنا العفيفات، بنات الأصول والأخلاقيات، لا تجعلن من أنفسكن أجساداً مباعة مباحة لكل من لا يخاف الله، من خلقك يتكفل برزقك فلا تدعي العوز وتكثري الشكوى لتقبلي بوضع مهين كهذا، وغذا الظروف أقوى من احتمالك لا بد من السؤال والتحري وإملاء الشروط التي تضمن حقك وكرامتك حتى لا تصبحي ممتهنة لكل عابر سبيل يدفع، وأحذرك أخي الإنسان أن تكون جيفة لا تنبعث منها إلا الروائح الكريهة، والسمعة النتنة، فلم يعودوا يميزوا بين الزواج المشروع المشروط المقنن، وبين هذا العبث الفاقد للأهلية والشروط السماوية، والمروءة العربية، فيصبحوا كاليهود الذين لم يفرقوا بين البيع والربا {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (275) سورة البقرة.
أخيراً صرخة من الأعماق أطلقها، فليستمعها من له قلب واع أو ضمير حي.
(إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك).