قبل يوم واحد من احتفال التونسيين بالذكرى الثالثة للثورة التونسية، تصاعدت وتيرة أعمال العنف التي شهدتها بعض المناطق بالعاصمة تونس او في الجهات الداخلية بعد مواجهات خطيرة بين المحتجين ورجال الأمن الذين اضطروا الى تفريقهم بالغاز المسيل للدموع مما أودى بحياة موظف في العقد الرابع من عمره جراء اختناقه بالغاز الكثيف الذي ملأ أرجاء محكمة محافظة القصرين، كان من نتيجته اشتعال الغضب والتحاق المئات من المواطنين بمجموع المتظاهرين ليلاً في مناطق سكانية مختلفة.
وكانت الاشتباكات اندلعت بين الأمن ومتظاهرين استغلوا خروج التونسيين الرافضين لسلسلة الإتاوات الثقيلة التي تضمنها قانون المالية الجديد للشارع ليندسوا في صفوفهم ويحرقوا مراكز للأمن ومقرات لحركة النهضة في جهات عدة.
وقد حاول المعتدون اقتحام مراكز أمنية ليلة السبت الأحد إلا أن قوات الأمن تصدت لهم ومنعتهم من نهب المؤسسات العمومية والخاصة والفضاءات التجارية الكبرى، في سيناريو شبيه الى أبعد حد بالأحداث التي جدت منذ أكثر من ثلاث سنوات. كما قامت مجموعات شبابية بإغلاق بعض الطرق بالحواجز والعجلات المطاطية لكنها جوبهت بتدخل رجال الأمن الذين فتحوا الطرقات أمام حركة الجولان وفرقوا المجموعات.
وكانت وزارة الداخلية أعلنت في وقت سابق بأنها ستقاضي المعتدين على مراكزها التي تم إحراقها بالكامل وإتلاف وثائقها، ودعت المواطنين الى عدم الاستجابة لطلبات المجرمين بالالتحاق بهم باعتبار أنهم تعمدوا القيام بأعمال العنف مجاناً وواصلوا غيهم حتى بعد تعليق حكومة الترويكا البدء في تنفيذ العمل بهذه الإتاوات، مما يقيم الدليل على أن المعتدين يعملون وفق أجندة معينة لحساب أطراف لا تزال مجهولة تسعى الى إرباك الوضع العام وخلخلة النظام القائم.
ويتابع الشارع التونسي سلسلة أعمال العنف التي انتشرت في مناطق مختلفة بالبلاد، بخوف شديد من اتساع رقعتها بما يهدد بقية الاستقرار الذي ساد تونس خلال الأشهر القليلة الماضية خشية انتهاز المجموعات المسلحة هذه الأحداث الأليمة وانهماك قوات الأمن والجيش في ملاحقة المعتدين والتصدي لهم، لتنفيذ مخططاتها الإرهابية.
وكأن العنف مرض معد، فقد وصلت عدواه الى مقر المجلس التأسيسي أين يسابق النواب الساعة لاستكمال مناقشة الدستور الجديد، حيث اندلعت مشادات كلامية بين عدد منهم سريعاً ما تتطورت الى اشتباكات بالأيدي بسبب اختلاف في المواقف بين رافض ومساند لتحديد سن قصوى للترشح لرئاسة الدولة ومؤيد للفصل الذي ينص على حرية النواب في الالتحاق بأحزاب غير الأحزاب التي رشحتهم.
وكانت إحدى النائبات المنتمية سابقاً لحزب المؤتمر أحد أضلاع الترويكا المستقيلة، وصفت نواب حركة النهضة «بالخونة» لتعمدهم التصويت على الفصل القاضي بالترفيع في سن الترشح لرئاسة الدولة، واعتبرت أن ذلك يدخل في إطار صفقة أبرمها الشيخ راشد الغنوشي مع زعيم حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي لتمكين هذا الأخير من الترشح لهذا المنصب في إطار تقاسم السلطات الذي كثر الحديث عنه في الكواليس.
وكان رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر اضطر الى رفع الجلسة بسبب تلك المعارك ثم تولى الإشراف على اجتماع عاجل لمكتب المجلس للنظر في هذه المسألة الشائكة التي عطلت سير الجلسة التي تواصلت في وقت لاحق وسط أجواء يسودها التوتر والتشنج.
في سياق غير متصل، دعا الحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل الذي يقود الرباعي الراعي للحوار، رئيس الحكومة الجديد الى الإسراع باتخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية وأمنية والى مصارحة الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع، مشدداً على أن من أوكد أولويات عمل حكومة المهدي جمعة سن قانون مالي تكميلي يراعي أوضاع البلاد ويحفظ للمواطن مقدرته الشرائية المتدهورة باستمرار وحل رابطات حماية الثورة المعروفة بجنوحها الى استعمال العنف بدون موجب إضافة الى العمل على توفير المناخ المناسب لإجراء الانتخابات.