في عام 2004 كتب الأمير خالد الفيصل، وكان حينها أميراً لمنطقة عسير، مقالا عنوانه (منْ غَيَّب البسْمة؟)، لفتني إلى ذلك المقال الزميل الدكتور محمد العضاضي، بعد مقالي السابق عن (خالد الفيصل والمهمة غير المستحيلة) المنشور في هذه المساحة عقب تعيينه وزيراً للتربية والتعليم.
المقال الذي كتبه الأمير قبل نحو عشر سنوات يستحق الاسترجاع، وإعادة القراءة، وتكرار السؤال الباحث عن الحياة، للعودة لمسارها الطبيعي والمستحق (من غيّب البسمة) بيننا وقلب كل المشاعر الطبيعية وشوهها، بل واستغل هذا التشويه ؟!
مقال خالد الفيصل الذي قدم فيه تجربة مختلفة تماما، تجربة إنسانية مع الإنسان العسيري، وهو أمر ينطبق على الإنسان السعودي في السياق الوطني الأشمل..
يقول عنه:
(هذا الإنسان المشهور بالأصالة والشجاعة والكرم، يتمتع بروح جميلة فريدة في استقباله لك بالتراحيب: «ارحبوا»، «مرحباً ألف»، مفردات عسيرية تنطلق بها الحناجر، وتخفق لها القلوب وتستبشر الوجوه، وترتاح إليها النفوس، إشراقة وبهجة وبسمة عريضة فوق الشفاه.. وأشعار وأهازيج، والعرضات التي تقام في كل المناسبات والأفراح والحفلات. للصوت غناء وطرب، ولقرع الطبول والدفوف إيقاع ورقصة حياة وسعادة..).
يقدم الأمير وصفه الإنساني بعد سنوات من توليه إمارة المنطقة عن الإنسان:
(.. هذا هو حال إنسان عسير: سعيدا متفائلا حتى عندما أقابله في الإمارة شاكيا أو مطالبا بمشروعات، كان يبدأ الحديث معي دائماً بقصص جميلة... حكايات عن الآباء والأجداد...).
ثم يذهب للسؤال أو مجموعة الأسئلة الأبرز التي تفجر الوعي كقنبلة انشطارية حارقة ومؤلمة ومحبة، ويقول:
(ماذا حدث لهذا الإنسان؟ كيف ذهبت عنه البهجة والفرحة؟ من غيّب الابتسامة عن وجهه المشرق؟ من أسدل ستار الكآبة على الوجوه؟ من خوّف الأطفال من اللعب والضحك والمرح؟ من خوّف الكبار من الحياة؟ من ألغى السعادة ونشر الأحزان؟ من أقنع الأبناء أن يكفروا آباءهم والبنات أن يكفرن أمهاتهن؟
من علّم طفل دار الأيتام أن وطنه الإسلام - وليس السعودية - وأن مهنته المستقبلية هي الجهاد وأن مشاهدة التلفزيون السعودي حرام لأن فيه موسيقى؟ من حوّل ساحات المدارس والجامعات إلى معسكرات حركية وجهادية؟! من حوّل المخيمات الصيفية إلى معسكرات تدريب على الأسلحة,؟ من أقنع الشباب السعودي بأن أقرب طريق للجنة هو الانتحار, وقتل المواطنين والمقيمين ورجال الأمن وتفجير المجمعات السكنية؟ من فعل بنا هذا؟).
يصرح الأمير في ذلك المقال:
أعتقد أن كل من في هذه البلاد يعرف الفاعل المسؤول عن كل هذا, وما هي إلا عودة للكتب والمطويات والأشرطة, التي وزعت بمئات الآلاف, في المدارس والجامعات, والمساجد والجمعيات الخيرية, في السنوات العشرين الماضية, لنجد الأسماء مطبوعة عليها بكل وضوح!!! ومواقع الإنترنت تكشف عن البقية. لكن السؤال المهم الآن هو: من يستطيع أن يغير هذا الواقع الجديد المؤلم؟ ومن يعيد إلينا عقول أبنائنا التي اختطفها الضالون المضللون؟
يعلن الوزير دون لبس:
(.. الجواب هو أن كل المجتمع مسؤول, من الدولة إلى كبار العلماء ثم كل فرد في هذا المجتمع.. وأخص ثلاث فئات:
1 - المعلم والمعلمة في المدارس.
2 - الأستاذ - من الجنسين - في الجامعات.
3 - الأئمة والخطباء في المساجد والدعاة.
وإلى هؤلاء جميعا... وباسم كل مواطن غيور على دينه ووطنه..
يختم:
(أرجوكم.. أرجوكم.. أرجوكم.. أعيدوا البسمة, والبهجة, والحياة لأبنائنا وبناتنا ووطننا. وشكراً).
نثق أيها الوزير الأمير وقد توليت الأولى والثانية - والثالثة أثق بأن لها من يعمل عليها ولو طال بعض الوقت - وقد أصبحت المشكلة معروفة. ومحصورة ، انه لم يبق إلا جزء يسير من حل المشكلة.. ولعلنا على الطريق الصحيح لعودة الحياة والبسمة للمجتمع السعودي وللوطن كله.. لعلنا نكتب ولو بعد حين كيف عادت البسمة للمجتمع السعودي !