في هذا الزمن، يندر أن تجد مثقفاً محايداً، يقف مع الحق، وينتصر به، ومع أنّ القاعدة هي أنّ الإنسان بطبعه كائن متغيّر، وبالتالي فإنّ تغيُّر المواقف، والأفكار أمر وارد، إلاّ أنّ هذا ليس محور الحديث، فالأمر يتعلّق بأولئك الانتهازيين، وهم كثرة غالبة، فهم مع الحاكم، ومع خصومه في ذات الوقت، ويمسكون العصا من منتصفها، أو هكذا يظنون، وليس بعيداً عنا ميدان الثورات العربية، فقد رأينا من قلّة الحياء ما يندى له جبين الثقافة، والفكر، والإعلام، إذْ لم تفصل بين مواقف بعضهم المتناقضة من الزعيم إلاّ أيام، فهل نسيتم الإعلامي، المهرج، والذي كان يصرخ دفاعاً عن الرئيس مبارك، ثم ما لبث أن تساوق موقفه مع الشاتمين له في اليوم التالي!!، وفعل كل ذلك دون أدنى خجل، وأمام مئات الملايين!!.
أيضاً مفكر مصري كبير، صنّفته وسائل الإعلام الغربية كواحد من أعظم المؤثرين في الفكر الإنساني!!، ولم يشفع له ذلك في أن يحافظ على مصداقيته أمام البسطاء من الناس، فقد وقف وقفة كبرى، وتاريخية، انتصاراً لتنظيم الإخوان المسلمين في مصر . هذا، ولكن لما انفضّ السامر، واكتشف أن لا نصيب له في كعكة السلطة، والوجاهة، انقلب على عقبيه، وأصبح خصماً لدوداً لهم!!، ولم يشعر بالحد الأدنى من الحياء، ولا يراودني شك بأنه سيتقلّب في مواقفه مع من غلب، بغضّ النظر عن قناعاته الشخصية، وربما نراه اليوم تنويرياً، كما رأيناه بالأمس أخوانياً، ولن نتفاجأ لو رأيناه شيوعياً، أو فاشياً، حسب الظروف، والمعطيات!.
أشباه هذا المفكر، وذاك الإعلامي كثر، في كل بلادنا العربية، فهل نسينا ذلك الأكاديمي المحلي «الحداثي»، والذي كفر بكل إنتاجه الفكري على مدى عقود، وذلك تمهيداً لانضمامه لتيار «الإخوان المسلمين»، وهو التيار الذي كانت الدنيا مقبلة عليه، وكانت أمريكا اوباما تدعمه، حتى ظن صاحبنا أنّ المستقبل له، ثم بعد أن اكتشف مفكرنا الجهبذ أنّ حساباته خاطئة، بدأ يفكر بالتراجع، وأنى له ذلك، وقد كسب مئات آلاف التابعين من جراء ذلك التحوُّل الفكري، غير محسوب العواقب، ولذا، لا تستغربوا لو رأيتم مثقفاً عربياً يتحوّل، ولا يجد غضاضة في ذلك، لأنّ مثقفينا نسخ من بعضها، وهي نسخ تشبه مجتمعاتها إلى حد كبير، فانتظروا المتحوّل القادم، وسيكون ذلك قريباً!.