في حكاية زوجة قيس بن ثابت الشهيرة، نعرف معنى الخُلع، فلم يكن سيئًا معها إنما كرهته لشعور في نفسها، وقد قدر رسولنا الكريم هذه المشاعر، فسألها: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فأمر بطلاقها.. من هنا ظهرت مشروعية الخُلع وشروطه وأركانه، أما ما نراه اليوم من اجتهادات غريبة في شكلها عجيبة في مضمونها، ويتم فيها الحكم بالخُلع، فهي بعيدة كل البعد عن سنته عليه الصلاة والسلام. فكيف بامرأة تعيش مع رجل مدمن مخدرات، أو رجل يمارس أبشع أنواع العنف تجاه جسدها، أو رجل عاجز جنسيًا، أو مريض نفسيًا، وغير هذا من العيوب التي لا تستطيع المرأة أن تتعايش معها، بل إن فراقها لهذا الزوج هو الأفضل لها ولأبنائها -إن وجد بينهم أبناء- ثم يأتي أحد القضاة الأفاضل ويحكم بالخلع، الذي يلزم المرأة برد المهر وغيره من المصاريف أو الهدايا، هذا عدا متاجرة -بعض- أشباه الرجال في مثل هذه القضايا بمبالغ قد تعجز عنها الزوجة، مع ذلك يتم التعاطف معه والحكم له بالخُلع. وفي الواقع، فإن الطلاق هو الحكم الصحيح في مثل هذه القضايا، بل على الزوج أن يدفع لزوجته المتضررة تعويضًا ماديًا ومعنويًا عما أصابها من ضرر، ويُحسب بعدد السنوات أو الإصابات التي لحقت بها.
لا أفهم كيف لامرأة مصابة جراء العنف الذي مورس ضدها، ومعها تقارير طبية تُثبت الحالة، ثم بعد شق الأنفس يُحكم لها بالخُلع؟! ولا أعرف كيف لامرأة تعيش مع مدمن مخدرات وإذا وصلت مرحلة اليأس من شفائه وبلغت شجاعتها في طلب الحصول على الطلاق، فيتم الحكم بالخُلع الذي تسقط معه حقوقها كافة، وإضافة لهذا يُحكم لهذا المدمن أو المُجرم الذي يمد يده على النساء بحضانة الأطفال، أي عدالة تندرج تحتها من هذه الأحكام؟!
تضطر بعض النساء إلى القبول بالخُلع لأنها تريد الخلاص من حالة الجحيم التي تعيشها بأي طريقة، ومقابل أي تعويض تدفعه لتنتزع حريتها. هذه الضغوط جعلت هؤلاء النساء لا يبحثن فيما لهن وما عليهن من حقوق، وكل همها ينحصر في الخلاص من هذا الرجل بأي ثمن. لكن في واقع الخُلع لا نجده يقف في صالح المرأة، إلا في حدود ضيقة كالتي شرعها عليه الصلاة والسلام، وهو رغبة زوجة قيس بن ثابت بالانفصال عنه لأنها كرهته، مع ذلك لم يُنكر عليها رسولنا الكريم ولم يقلل من مشاعرها، كما يحدث في أيامنا هذه حين يصم -بعضهم- المرأة بأبشع الأوصاف لمجرد أنها طالبت بحقها المشروع، وما يترتب على هذا من تكليفها بدفع فديتها، والذي حدده الشرع بكره المعشر، وليس قبول الاستمرار في الحياة مع رجل مدمن أو مجرم. ولنا في نهايات بعض القصص التي عايشناها في هذا المجتمع عظة وعبرة مع نساء استمرت حياتهن مع مثل هؤلاء الأزواج وانتهت إما بمفارقتها الحياة، أو ببقائها على قيد الحياة دون الشعور بها.
لم يظلم رسولنا -عليه الصلاة والسلام- المرأة في كل ما نقل عنه من أحاديث وقصص، برغم محاولات بعضهم تشويه هذه الأحاديث بوضع تفاسير ضد المرأة، لكننا -ولله الحمد- لدينا عقول نميز ونفقه ونبحث بها، ولو تم التعامل مع المرأة ربع ما عاملها عليه السلام، لما رأينا الظلم ينشر ولما أهدرت حقوقها وأهينت لصالح أشباه الرجال!