أردوغان وكولن والحلقة المفقودة!

عاصفة الفساد السياسي والمالي لا زالت تهز في قوة رميحها على الوضع السياسي في تركيا وبالذات تداعياتها على مؤسسات وأتباع حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان والذي يدفع بتهمة الفساد عن حزبه من رشاوى وتلاعب في الإعفاءات الضريبية ومنح الجنسية التركية للأجانب مقابل مبالغ مالية لنجل وزير الداخلية السابق ويتساءل المحللون السياسيون حول إثارة هذه الحملة الآن والمضادة لقادة في حزب العدالة والتنمية وهم يمثلون الوزارات السيادية والمؤثرة على الوضع الداخلي في المجتمع السياسي بتركيا والانتخابات البلدية والرئاسية على الأبواب وكان من تداعياتها استقالة الوزراء الثلاثة بضغوط تقترب من الإقصاء من قبل اللجنة العليا لرئاسة الحزب الحاكم وترديد أردوغان في خطبه الأسبوعية بشبح (المؤامرة) الخارجية وأدواتها التنفيذية في أنقرة ممثلة بإدارة النائب العام والذي يتحرك بتوجيه المعارضة العلمانية و «بعض» قيادات الأمن الاقتصادي التابعة لتنظيم الأخوية الإسلامي بزعامة المفكر الإسلامي (فتح الله كولن) القوة الخفية والأب الروحي للحركة الإسلامية التركية والذي اختار ولاية بنسلفانيا مقراً لحركته ويمثل اللوبي التركي القومي في السياسة الأمريكية ويحظى بعناية ودعم من الإدارة الأمريكية, وقد شارك بصورة قوية بتمويل حملة حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2002م وفوزه بالأغلبية البرلمانية وتشكيل أردوغان لوزارته الأولى وكان مستوى التعاون والتكامل بين أردوغان وكولن عالياً ووصف الإعلام التركي والدولي هذه العلاقة المتينة (بالتلميذ والمعلم).

وبدأت غيوم الخلاف تظهر في سماء هذه العلاقة بعد الدورة الثالثة لحكم حزب العدالة والتنمية وحكومة أردوغان وسيطرته التامة على الرئاسات الثلاث وحصر المؤسسة العسكرية في واجباتها الأساسية بالإشراف على القوات المسلحة والابتعاد عن التدخل في الشأن السياسي الداخلي ومن جهة أخرى تخلص أردوغان من جلباب معلمه فتح الله كولن وكانت حملة سفينة الإغاثة لغزة «مرمرة الزرقاء» باكورة هذه الخلافات مع كولن والذي أعلن معارضته لإرسالها إلى فلسطين وتعكير العلاقات التركية الإسرائيلية.

يحظى كولن وجماعته في المجتمع الأمريكي بعلاقات «صداقة» مع اللوبي الصهيوني الأمريكي وتقديم التسهيلات المالية لمشاريعه الثقافية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وتوسع ثقب الخلاف بين أردوغان وكولن إثر مساندة حكومة أردوغان للإخوان المسلمين والرئيس المخلوع مرسي وانتقاد فتح الله كولن للتدخل التركي في التيارات السياسية العربية والتي تؤثر على المنافع الاقتصادية والعلاقات السياسية التركية العربية وتستند مناهج حركته على القومية التركية داخل المجتمع التركي الواسع كما تصفه آراؤه والمتمثل بالجمهورية التركية ودول آسيا الصغرى الناطقة باللغة التركية ولحركته أكثر من مائتي مدرسة دينية في الجمهوريات المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي بعد تفككه.

وقد يكون من أهداف قضية الفساد المفاجئة للشعب التركي والذي كان يؤمن بنظافة النظام السياسي الحالي ومحاربته للفساد الإداري والمالي في مؤسسات الحكومة التركية هو تغيير نظرة المجتمع التركي نحو حكومة أردوغان وقطع الطريق عليه للوصول إلى دفة الرئاسة العليا في انتخابات رئاسة الجمهورية في أبريل القادم.

يتمتع الداعية الإسلامي فتح الله كولن بقوة شعبية داخل تركيا وبالذات داخل حزب العدالة والتنمية تقدر بخمسين نائباً استقال ثمانية منهم بعد إعلان قضية الفساد وله مؤيدون في الأوساط السياسية والمراكز الأمنية وقد تكون آثار هذه الحملة المبرمجة ضد الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم بداية لعودة حركة فتح الله كولن الإسلامية للمسرح السياسي التركي ومشاركته في العملية السياسية كقوة شعبية برنامجها السياسي إسلامي قومي ومحيطه الناطقون باللغة التركية ومد الجسور نحو الاتحاد الأوروبي وأمريكا ولا يهمهم أي علاقة بالمنظمات والحركات الإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي.

وتتمتع حركته بوفرة مالية كبيرة ممثلة بمؤسسات تجارية وثقافية منتشرة في آسيا وأفريقيا وستفرز صناديق الانتخابات البلدية والرئاسية في الربيع القادم بخارطة سياسية جديدة بتغييرات مهمة في نسب توزيع المقاعد البرلمانية وتشكل اختباراً جدياً لشعبية الرئيس رجب طيب أردوغان في المجتمع التركي الشقيق.