نسي أبناء الشعب العراقي الشقيق مباهج الحياة اليومية من مشاعر إنسانية إيجابية، فالمرح والبهجة والأفراح ومآدبها الكريمة التي تميز بها المواطن العراقي أصبحت من التاريخ والماضي المبكى عليه، وأصبح يعيش حاضراً مؤلماً قاسياً جوه مليء برائحة البارود والدم، وشوارع العاصمة بغداد التي تغزل بجمالها ورائحة وردها شعراء الماضي أضحت بائسة حزينة اختلط دم أبنائها بالماء الآسن وبقايا السيارات المفخخة، وشمل القلق والخوف من اليوم القادم كل سكانها ودون تفريق أو حصانة، وانتهى رصيد الصبر والتحمل في قلب ووجدان كل من يسكن المنطقة الخضراء والحمراء، والخشية التي يحاول كل وطني مخلص للعراق أولاً أن تتلون كلها بالدم والسواد!.
في هذه الصورة المأساوية الدرامية التي يعيشها أبناء الرافدين وفي الركن الساخن الآخر يتصارع عدد محدود من تجار السياسة ويتلاعبون في مصائر العباد والبلاد دون رادع وجداني أو وطني، بل يهدفون في حراكهم السياسي اليومي في محيط عملية سياسية عرجاء تخدم منافعهم ومصالحهم الشخصية والحزبية، أما الوطن والمواطن فآخر ما يفكرون به، وهو الضحية دائماً لكل مطامعهم وصراعاتهم غير المنتهية، والتي تتحول في مناسباتهم السياسية الحوارية السالكة نحو التهميش والتصفية والاغتيال السياسي والشخصي لمناوئي التيار الحاكم المحرض والمدعوم من طهران وقم.
لقد كان شعار المصالحة الوطنية الذي رفع في كل اجتماعات القوى والكتل السياسية ابتداءً من مؤتمر التقريب في وجهات نظر المجاميع المعارضة للاحتلال الأنكلو أمريكي والذي عقد في شرم الشيخ في مصر الشقيقة وشارك وفد إيراني أفسد طريق الإخاء والالتقاء للكتل العراقية، بل زادها بتحريضه المستمر ونبش الحوادث الماضية حتى يجعل من المؤتمر ساحة نزاع وصراع، مما أدى لإنهاء جلساته دون الوصول لأي نتيجة إيجابية بتوحد القوى السياسية العراقية.
وبدلاً من المصالحة الوطنية الشاملة والموحدة لكل أبناء الوطن العراقي باتجاه استعادة كرامة واستقلال وإعمار العراق تركز جهد المسؤولين عن المصالحة الوطنية بتجميع المليشيات الطائفية المسلحة وائتلافها بتحالف سياسي واحد، ومنحهم العفو الشامل وضمهم بالقوات المسلحة حتى ترتكز مشروع طائفية الجيش العراقي المؤسس بعد الاحتلال وبإشراف الأحزاب والكتل الطائفية الصديقة لإيران.
ويعيش وسط وجنوب العراق تحت تأثير تيار بارد مكروه توجهه بعض المجاميع والمراكز المذهبية الطائفية المصدرة من قم نحو تلويث المجتمع الإسلامي العراقي بمناخ خلافي رجعي التفكير والتنفيذ بالعودة إلى أزمان الفتن والصراع الطائفي في أواخر الخلافة الراشدة والتذكير المستمر بروايات كاذبة مختلقة حول ذلك العهد الإسلامي القديم والتوجيه الإيراني المقصود لإثارة الخلافات الطائفية المذهبية الهادفة لشق وحدة الشعب وتهيئة الأجواء للحرب الأهلية، إلا أن الوعي العالي الذي قابل به أبناء الشعب العراقي الشقيق بكل أجناسه وطوائفه وجذوره القبلية أحبط هذه المؤامرة الطائفية وشد على جراحه برباط الوحدة الوطنية والتمسك بالمواطنة العراقية ونبذ كل ما يفرق أبناء الوطن العراقي الموحد.
قانون الانتخابات الجديد ولد بعملية قيصرية عسرة لتقاطع منافع ومصالح الكتل والأحزاب المذهبية التي تتخفى بفقرات هذا القانون المركزة على الصوت الانتخابي لصالحها، وتبقى هذه الأحزاب الطائفية متربعة على صدر الشعب العراقي الصابر، والذي نسي الخدمات والحقوق الاجتماعية في العيش المرفه الكريم بعد وصول مزانيته المالية إلى أرقام خيالية لو وزعت على المواطنين لبلغ المجتمع العراقي أرقى المستويات الحديثة، إلا أن كل مواطن عراقي الآن يصرخ من القلق والخوف لمطلب واحد هو الأمن الاجتماعي كواجب ملح لكل حكومة قادمة.