تعتبر داعش، وهوية مسلحيها، وعلاقتها بالتنظيمات الجهادية الأخرى، الملف الأكثر إثارة للجدل. فهو مرتبط بتنظيم القاعدة التكفيري، وبتنفيذ أجندة، أقلّ ما يمكن أن يقال عنها، بأنها « مشبوهة «؛ من أجل خلط أوراق الفصائل الجهادية المتبعثرة أصلاً، وانشغاله بالتناكف معها. وهذا ما جعل الهيئات الإسلامية السورية، تصدر بياناً - قبل أيام - تدعو فيه تنظيم داعش - التابع للقاعدة -، إلى الكف عما وصفته بالتصرفات التي تدعو إلى الفتنة، والشر، بعد أن اتهمته بالغلو في تكفير المسلمين ، وبادعاء احتكار المنهج، والتوجه ، وإطلاق الأحكام منفرداً. بل إن شخصية من قلب التنظيمات السلفية، مثل: قائد لواء الإسلام - الشيخ - زهران علوش، شن حملة قاسية ضد داعش عبر موقع التواصل الاجتماعي ، واصفاً مسلحي الجماعة بـ: «خوارج هذا العصر».
المشهد العام ليس إيجابياً، والثورة السورية تعيش لحظات تأزم، وانعطافاً تاريخياً منذ تأسيسها، وتقدم جناحها العسكري. فداعش ماضية في فتح جبهات ضد مختلف الفصائل الجهادية، وليس في وجه قوات نظام الأسد؛ لبسط سلطته على مواقع جغرافية حساسة، وطرد عناصر المجاهدين منها، وذلك باعتراف مراكز، وشخصيات دولية، وتقارير مباشرة، وشهادات موثقة تروى من قيادات ميدانية مقاومة ، تؤكد على ولوج مخابراتي إقليمي، ودولي، وعربي في صناعة تنظيم داعش.
في حرب المخابرات القذرة، فإنّ الحقائق تشير كما بيّنا، إلى أن تنظيم داعش شهد اختراقات مخابراتية؛ ليقف سداً منيعاً في وجه الممانعة الإستراتيجية. وهذا ما يجعلنا نطرح التساؤل التالي: ما مدى التناغم بين أهداف داعش، وأهداف النظام السوري، والتي تسير بشكل متوازٍ، ومنسق بشكل كبير؟. وللإجابة عن هذا السؤال، يقول - الأستاذ - هاني الملاذي، ثمة احتمالان، أو سيناريوهان في تفسير هذا التناغم الواضح بين نتائج سياسات داعش، وبين أهداف النظام في سورية، الأول: أن يكون هذا التنظيم صنيعة استخبارات إقليمية، بمشاركة النظام - ذاته -؛ لتحقيق أجندات مختلفة ، وأجندة النظام السوري - هنا - ، وأن تشكل داعش فزاعة يخيف بها الداخل، والخارج؛ لتثبيت، ودعم افتراءاته ، وأن تكون إسفيناً في ظهر الكتائب المسلحة المعارضة له. والثاني: أن يكون هذا التنظيم مستقلاً؛ لكنه مخترَق من جانب النظام، عبر زرع عناصر مؤثرة في قراره، ورسم، وتوقيت تحركاته العسكرية. وفي كلتا الحالتين - سواء - سلمنا أن قياداتِ التنظيم يعملون بمفردهم، أو بتنسيق بشكل، أو بآخر مع نظام الأسد.
ما سبق، يوحي بأنّ الصراع في سوريا، قد يتجه بين مكوّنات الثورة ذاتها من جهة، والمجموعات المرتبطة بالقاعدة من جهة أخرى، - ولذا - فإنّ من أبجديات الوعي السياسي، دعم المجلس الوطني، والفصائل الجهادية التابعة لها، وتقديمهم على أي خلاف سياسي، وتكثيف مساندتهم. وما تفعله داعش - اليوم - من وضع مزيد من العقبات أمام تقدم الثوار، هو جزء من التغطية على مجازر النظام من جانب، وتشويه صورة الثورة السورية من جانب آخر ، - إضافة - إلى تحويل أنظار العالم عن حقيقة ما يحدث في البلاد ، وصرف الانتباه الدولي عن الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي تصيب ملايين السوريين؛ بسبب ممارسات نظام الأسد، وغيره من التنظيمات الخارجة عن الثورة، والمعادية لها.