لم تكن الفكرة الدقيقة التي تحتاج إلى تأمل، نحو الدراسة التي قامت بها “ حملة السكينة للحوار “ - قبل أيام -، التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية، والمختصة بمحاورة المتعاطفين، والمؤيدين للفكر المتطرف، والأعمال الإرهابية، بأن “80 % “ ممن يدخلون على الصفحات التي تدعو إلى العنف، والتشدد، أعمارهم ما بين “ 18 “، و” 24 “ سنة، وأن “ 75 % “ منهم من الذكور،
و” 25 % “ من الإناث، وتصدرت مصر قائمة معدلات الدخول على هذه الصفحات، - بعدها - أتت تونس، وليبيا، والجزائر، والكويت، ثم المغرب، فالعراق، والسعودية، واليمن - بالترتيب -، سوى الاعتناء بأهمية احتواء الفكر، والذي لا يكون إلا بعد احتواء معتنقيه، مع ضرورة العودة إلى معالجة إشكالاتها، فالشباب هم الشريحة الأكثر استهدافا من قبل التنظيمات الإرهابية، لمقدمات أيديولوجية أوجدته.
وهذا من الواجب الشرعي الذي لا يجوز للعلماء الشرعيين الإعراض عنه، كونهم المحرك الأساس في صناعة العقول، ونقل الفتوى الصحيحة.
القول شيء، والواقع يحكي شيئا آخر، - ولذا - فإن المعادلة تبدو أصعب مما كانت عليه، فالخطاب الديني العشوائي البعيد عن مقاصد الشريعة، والقائم على تأويلات خاطئة، هو من استطاع أن يشحن هذه الفئة العمرية - نفسيا وعاطفيا -، وأن يملأ ذهنها بفكرة الجهاد، والاستشهاد. - والغريب - أن هذا يحدث تحت مظلة الدين، وهو منه براء ؛ ليكون الدين - مع الأسف - صورة من صور التطرف، والإرهاب، وذلك - من خلال - سوء فهمه، وتطبيقه تعسفيا على أرض الواقع.
انفراج هذه الإشكالية وفق المعطيات الحالية، يحتاج إلى فترة زمنية أطول في المواجهة الفكرية، والإصلاح الاجتماعي ؛ لأنه نتيجة منطقية لعدم التوفيق بين النص الشرعي الصحيح الذي يستدلون به، والواقع السياسي، والاجتماعي، والثقافي، ومقتضياته الذي يعيشون فيه، - إضافة - إلى نشوب أزمة ثقة بينهم، وبين الأنظمة السياسية، وعلماء الشريعة، - ومن ثم - فلا بأس أن يتحولوا إلى تكفير شرائح المجتمع بدءا من الحاكم، ومرورا بالعلماء الشرعيين، وانتهاء بكل من يختلف معهم ؛ وليتحولوا بعد ذلك إلى تفجيرات انتحارية، وعمليات استشهادية، واستحلال دماء المعصومين ؛ حتى ينتهي بهم الأمر إلى مصاف التطرف، والإرهاب.
إن فكرة الحوار يجب أن ترتفع فوق أي خلاف، والعمل على اعتماده كوسيلة للتغيير، هو شعار العقلاء، شريطة أن تكون بأرقى لغة، يغلفها الحرص على بيان الحق، ودفع الشبهات، بقلب صادق، ونفس زكية، فتقابل الكلمة بالكلمة، والحجة بالحجة، والدليل بالدليل، والفكرة بالفكرة، الأمر الذي سيجعلنا قريبين منهم، متعرفين على دوافعهم الفكرية، وقادرين - بالتالي - على تصحيح مسارهم الخاطئ.