أعتقد أن سمو وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل سيكون أمام مهمتين رئيسيتين في بداية الأمر. النجاح في هاتين المهمتين سيمهد الطريق أمامه وكافة معاونيه كي يواصلوا مسيرة الإصلاح التربوي والتعليمي بنجاح أكبر مع تحقيق نتائج ملموسة ربما في زمن قياسي غير مسبوق.
المهمة الأولى وهي في نظري الأصعب والأخطر غربلة جهاز الوزارة في العاصمة الرياض وكذلك الإدارات التعليمية في المناطق والمحافظات. دواعي الغربلة كثيرة ربما أهمها عدم مناسبة قيادات ومعلمين لميدان هام وحساس مثل التربية والتعليم لتخلف فكرهم عن مسايرة ركب التطور وضعف تماهيهم مع المستجدات العالمية، وتقليدية أغلبهم في القيادة والإدارة وفي طرائق التدريس والتعامل مع الطلاب وأولياء أمورهم، وتأديتهم لأعمالهم اليومية بروتينية مألوفة دون تجديد وهو ما أدى بهذا الميدان الحيوي للركود سنوات طويلة لا يخرج في الغالب إلا علبا جاهزة فارغة من المحتوى المفيد وغير قادرة على خوض ميادين العمل بكفاءة، وخطورة بعض من يشرفون على المعلمين أو من يعلمون التلاميذ وخاصة القريبين منهم من الطلاب في غرس أفكار ومبادئ معادية للوطن كمن يدس السم في العسل حتى أننا وجدنا شبابا في أعمار صغيرة يؤيدون جماعات إرهابية ويدافعون عن أشخاص مطلوبين أمنيا فمن أين لهم كل هذا الفكر المنحرف؟.
ومن دواعي الغربلة المطلوبة ضخ الدماء الجديدة واستقطاب المتعطشين لخدمة وطنهم في أشرف مهنة، وإبعاد أسماء محنطة ظلت لسنوات طويلة تتربع على الكراسي وتنعم بالمميزات دون أن تقدم ولو جزءا يسيرا من الإنجازات، ناهيك عن من قادتهم المحسوبيات والواسطات لكرسي القيادة وهم لا يملكون من المهارات سوى توقيع المعاملات.
كأني أتصور سمو الوزير بيديه منخل لتصفية الوزارة بالإبقاء على الجديرين وهم في نظري ومن واقع تجربة كثر لكنهم ينتظرون الفرص، والتخلص من أي فرد لايرجى من ورائه فائدة، وبالتأكيد فإن مثل هذا العمل بحاجة ماسة لوضع معايير يسار عليها في الوقت الحالي والمستقبل.
من هذه المعايير سلامة الفكر والتوجه والإيمان بالأهداف الوطنية، وتوافر مهارات وقدرات مبشرة بالإبداع، وطموح للتغيير والتجديد والتطوير مع توافر التأهيل العالي الحقيقي وليس الوهمي، على أن تعمد الوزارة مع مطلع كل عام لتقويم أداء كل قيادي وفقا لتلك المعايير وعدم التجديد إلا لمن يثبتون جدارتهم.
المهمة الثانية تتمثل في تطبيق اللامركزية في المناطق والمحافظات وحتى في المدارس، ومنح القياديين فيها صلاحيات مباشرة لتتفرغ الوزارة للتخطيط والإشراف واستقبال المقترحات والمرئيات من الإدارات التعليمية لتطوير المناهج والطرائق، أو تطبيق أساليب جديدة في الإدارة، أو حلول عملية وليست نظرية لمشكلات قائمة.
طيلة السنوات الماضية كنا نسمع بتطبيق اللامركزية على مستوى الإدارات التعليمية، لكنه في واقعه تطبيق نظري على مستوى الهياكل التنظيمية حيث ظل القياديون يراجعون الوزارة في كل صغيرة وكبيرة وفي أمور يمكن حلها دون الرجوع للجهاز المركزي.
اللامركزية تقاس من خلال مؤشرات منها تعدد القرارات في المستويات الأدنى، وكون القرار يتخذ في المستويات الأكثر التصاقا بالمشكلة، وأن القرارات التي تتخذ هي قرارات هامة ومؤثرة وليست روتينية.
لذلك يمكن منح صلاحيات لدعم مجالات الاستثمار وفتح أبواب المشاركة في التعليم أمام المجتمع، ودعم الإدارات التعليمية الكبرى بميزانيات مستقلة تمكنها من حل كثير من مشكلاتها المعلقة.