عندما توليت منصب الرئيس التنفيذي في شركة «إنترالينكس»، التي توفّر غرف تداول إلكترونية آمنة على شبكة الإنترنت، كانت الشركة تستنزف أموالاً إلى حد جعل بقاءها مهدداً للخطر. وكانت الخدمة تنقطع ثلاث مرات في الأسبوع، وكنا قد انتهكنا العقد الذي أبرمناه مع أكبر عملائنا، كما أنّه تم تخفيض منصب رئيسنا التنفيذي.
وعلى خلفيّة ما سبق، ما الذي قرّرتُ فعله في أول يوم عمل لي؟
قرّرت تمضية أكثر من أربع ساعات وأنا أستمع إلى اتصالات مساعدة العملاء في مركز الاتصالات. وتشاركت سماعات رأسية مع أعضاء كثيرين في فريق العمل، وتنقلت بين المكتب والآخر للتحدث إلى ممثلي الشركة. ولا شكّ في أنّني سأقلل من ردّ فعلهم لو قلت إنهم شعروا بالمفاجأة، حيث أن رؤساء تنفيذيين كثيرين لا يزورون مراكز الاتصال، ولم يسبق لأي منهم أن قام بذلك في أول يوم عمل له.
أمّا أنا، فجعلت الأمر أولويتي، ويعود السبب جزئياً إلى رغبتي في معرفة ما يقوله العملاء – ولكن أيضاً إلى كوني كنت أستعدّ للإفصاح عن الأعمال الداخلية للشركة. وكنت مدركاً لضرورة إحداث تغيّرات جذرية في السلوك والتوقعات والتصرفات، ولم يكن الوقت مناسباً لأعتمد سلوكاً لائقاً، بل كان عليّ أن أثبت أنني مختلف وأن الأمور ستسير على نحو مغاير، كما أنّه كان من الضروري أن أبثّ شعوراً بالثقة لدى الآخرين بأسرع وقت ممكن.
ومن أثمن الدروس التي علّمتني إيّاها فترات ترؤسي لشركات مختلفة على مرّ السنوات منح الأولوية لبثّ الثقة في النفوس، أكثر منه جمع المعلومات. وبغضّ النظر عما إذا كان أحدهم سيدير قسماً صغيراً، أو وحدة كاملة، أو شركة، أو فرقة كشافة، من الضروري بادئ ذي بدء أن يرسي الثقة بين أعضاء المجموعة التي سيديرها. وعند طرح السؤال على القادة، يوافقون بمعظمهم على هذا المفهوم، غير أن قلة منهم قد تجرؤا على التصرف بشأنه.
وفي غياب الثقة، من المستبعد أن تعرف حقيقة ما يحصل فعلياً داخل المؤسسة أو في السوق. وفي غياب الثقة، لن يأخذك الموظفون في الحسبان – وفي أفضل الأحيان، قد تسمع وقائع بعيدة عن الحقيقة أو صادقة جزئياً، وأنا ألحظ هذا الواقع مراراً وتكراراً. وفي بعض الأحيان حتّى، يبذل موظفون قصارى جهدهم لتحوير الحقيقة.
وتقضي أفضل طريقة للمباشرة في تطوير الثقة بتكريس الوقت اللازم للقاء أكبر عدد ممكن من المشاركين الأفراد في أعمال الشركة، وذلك في أقرب وقت ممكن. وإلى جانب اللقاء بالعملاء، من الضروري أن تجعل اللقاء بالموظفين العاديين أهم أولوياتك.
وليست هذه المقاربة شائعة، حيث أن قادة كثيرين يعتبرون أن دورهم يقضي بالتوجيه وبإعطاء الأجوبة، بدلاً من جمع المعلومات. وثمّة ضغوط «لإعطاء الجواب» بسرعة أو مواجهة خطر أن يعتبروك ضعيفاً. وما أكثر القادة الذين يعتقدون أنه من المتوقع منهم أن يعرفوا الجواب من دون مساعدة أو توجيه، وهو أمر أبعد ما يمكن عن الحقيقة.