لعل غياب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو مع رئيسه بيريز عن مراسم تشييع المناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، لعله مر على عالمنا العربي المأزوم بل والعالم المهووس باقتصاده وأطماعه مرور الكرام. أليست (إسرائيل) واحة ديمقراطية وتقدم وسط دول استبداد وتخلف كما يردد بعض هذا العالم وبعض من يجترون هذه العناوين لدينا وللأسف. وحتى لا نجافي العقل
وبعيدا عن التخبط، علميا وصناعيا هي كذلك، ولكن ديمقراطيا كما يردد، فأربأ بكل عاقل أن تنطلي عليه هذه الأكذوبة التي ظلت تردد حتى صدقها من أطلقها وكثير ممن سمعها، ألم يقل غوبلز وزير إعلام الزعيم النازي هتلر (اكذب واكذب واستمر في الكذب حتى تتحول الكذبة بمرور الوقت إلى حقيقة).
عندما شنت الصحافة (الإسرائيلية) حملة على الرئيس شمعون بيريز لتخلفه عن حضور تأبين المناضل نيلسون مانديلا رد بأنه ظن أن ذلك من اختصاص رئيس وزرائه، فانظروا التبرير!. أما رئيس الوزراء نتنياهو - وتحضرني هنا مقولة لكل من اسمه نصيب - فكان رده أن الرحلة إلى جنوب أفريقيا مكلفة!، فهذه (إسرائيل) المتقدمة اقتصاديا يتذرع رئيس وزرائها بتكاليف الرحلة له ولطاقمه الأمني بطبيعة الحال.
مشهد مسرحي مضحك هو ما قام به هذان الرئيسان، لكنه الاحتلال واغتصاب الأرض وتشريد الشعب الفلسطيني ورفض عودة اللاجئين، وهو طرد سكان القدس من بيوتهم بالقوة والترهيب لإسكان مشرديهم المحتلين، وهو حصار سكان غزة والضفة ورام الله ومنع وسائل العيش عنهم. وإنه سجل (إسرائيل) الذي انكشف أمام العالم في السنوات الأخيرة وما صرف عنه الأنظار ومتابعة العالم إلا مآسي سوريا والثورات العربية، والمستفيد الأول من كل هذا (إسرائيل) وللأسف المؤلم. هذا هو ماجعل رؤساء حكومة الاحتلال يتوارون خزيا عن هكذا مناسبة لتأبين الكفاح ضد الاحتلال والتمييز العنصري، فأي مكان سيجدونه بين الأمم؟ أين سيجلسون بين رؤساء الدول وزعماء العالم المتحضر منه والناشئ، وبأي عبارات سينعون المناضل الكبير؟. إن قالوا كان مانديلا رمزا للكفاح ضد الاستبداد والتمييز العنصري والاحتلال سيدينون أنفسهم!، فالأفضل التواري والغياب حتى لايظهر الخزي أمام العالم أجمع. عندما بنت حكومة الاحتلال سورها العازل لحمايتها كما تقول ففي الحقيقة آذنت بقرب سقوطها، وهذا سلوك الخائف المرتعب على كل حال وهي نفسية اليهود على مدى تاريخهم. وعندما بدأت الهجرة العكسية من (إسرائيل) إلى أمريكا وأوربا شكل هذا إشارة إلى أزمات هذا الكيان الموتور. ولما بدأت كثير من الجامعات البريطانية مقاطعة مثيلاتها الإسرائيلية أعطت في الحقيقة دلالة على وعي العالم الذي بدأ يتشكل بممارسات حكومة الاحتلال.
إن هذا الكيان المأزوم كما يعلم القراء الكرام لم يقو إلا بضعف جيرانه وتشتت طاقاتهم وانشغال هذا العالم العربي بأزماته والتي لو أحسن السيطرة عليها ومن ثم علاجها وشكل اتحادا اقتصاديا بالدرجة الأولى لهابته الأمم ولفرض احترامه على العالم. إننا كخليجيين نتطلع ويحدونا الأمل بأن يتحول هذا الكيان الخليجي إلى اتحاد شبيه بالاتحاد الأوروبي مع تضامن مع مصر والأردن واليمن ودول المغرب العربي، مدعوما بتحالف اقتصادي وتناغم سياسي يشمل تركيا وباكستان إلى جانب ماليزيا وإندونيسيا، هل هذا مستحيل؟ قطعا لا، فلنأمل ولنأمل، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!.