مفرح ما تقوم به حالياً وزارة الشؤون الإسلامية من التفاتة ومن ثم إزالة للإهمال والتشوهات التي طالت كثيرا من بيوت الله، ولست هنا في مقام مدح فخير شاهد للمرء أعماله، وما تقوم به الوزارة هو أوجب واجباتها وشرف لها وكل منتسب إليها. بل إني هنا أكتب هذه السطور للتأكيد
على ما قلته وقاله الكثيرون غيري من قبل من ملاحظات، وبما
أن مسؤولي الوزارة في حملتهم الأخيرة التي نشرت عنها هذه الصحيفة يوم الاثنين الفائت طلبوا الملاحظات والمرئيات من المصلين ومرتادي بيوت الرحمن، فهذه ملاحظاتي أرجو أن تتسع صدور مسؤولي الوزارة لها.
لا يشك مسلم في فضل النداء ومكانته إلا جاهل أو مفرط، ولقد كان الرحالة الأجانب في زياراتهم إلى مدن المشرق الإسلامي أول ما يسترعي انتباههم الأذان، فيرهفون أسماعهم لذلك الصوت الذي يبعث الطمأنينة والسلام في أثير تلك الحواضر، مميزا لها عن غيرها من مدن العالم الذي أتوا منه. ومعلوم للمسلمين فضل هذا النداء وأجر المؤذنين والأئمة الأكارم، إلا أن مما يشوه أداء كثير منهم وأقولها بكل أسف، هو سوء استخدام مكبرات الصوت محدثين بذلك جلبة وتداخلا في النداءات مع تقارب المساجد في الأحياء، بل وأرجو أن لا يساء فهمي حين أقول إن بعض المؤذنين - غفر الله لهم - فوق ضخامة صوت المكبر يقتربون من لاقط الصوت حتى يلامس شفاههم فيجأرون بالصوت حد العويل والصراخ وسامحوني على هذه الكلمة، لكننا سئمنا المجاملات الفجة وهذا وقت المصارحة والعمل، وإذا كان قد قالها عاهل البلاد - حفظه الله - (لاتبخلوا علي بالنصيحة)، فما بالك بمن تحته من وزراء ومسؤولين.
إن هذا النداء منوط به الدعوة إلى لقاء الله، فحري به وبمن يؤديه السكينة والوقار وبث الشعور بالطمأنينة والسلام، ووسيلة ذلك أداء الأذان بهدوء وروية بل وترنيم ومقامات كما يتم في الحرمين الشريفين والأقصى - طهره الله من رجس يهود - والقاهرة واسطنبول وغيرها من المدن، فليست هذه أماكن للارتجال ولا هذا النداء لكل من هب ودب، فلنتق الله ولا نشوه ديننا وشعائرنا. هذه المسألة تشمل كثيرا من الأئمة كذلك - وأنا هنا لا أعمم - ولا أبالغ إذا قلت إن بعض المساجد يصعب فيها الخشوع بسبب ضخامة صوت الإمام والمبالغة في حجم السماعات التي تصم الآذان. وهذا نداء إلى مسؤولي الوزارة لتشمل حملتهم الحالية هذا الأمر الجلل الذي هو من الأمور الفنية التي ذكروا بأنهم يراعونها في حملتهم. كما يجدر بنا استحضار حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ( هلك المتنطعون ).
أما مسألة تصاميم المساجد فالحديث عنها لا يمكن اختزاله في مقال، لكن حسبي أن أشير هنا إلى ندرة أو ضعف الهوية العمرانية الإسلامية للكثير من المساجد بكل أسف التي لولا المنارة لما ميز الناس المسجد عن غيره من الصناديق الخرسانية التي تطبع الهوية العمرانية لأحيائنا. ولعل هذه المسألة من الواجب الالتفات إليها ليس من قبل وزارة الشؤون الإسلامية فقط، بل من جهات عدة، كوزارة الشؤون البلدية، الثقافة والإعلام، التخطيط، السياحة والآثار وكل من يمكن أن يسهم في إعادة الاعتبار للهوية العمرانية للمساجد ككيان ديني وحضاري عظيم. وغير خاف أهمية حسن التخطيط ومراعاة النواحي الجمالية وتوزيع المرافق، وما فصل المرافق (دورات المياه) عن مباني المساجد إلا أهمها ومن أبسط مبادئ التخطيط العمراني والصحي والبيئي.
قبل فترة وفي صلاة الجمعة كانت أجهزة التكييف تعمل بالكامل ونحن في فصل الخريف ونعيش أجواء بديعة تميل للبرودة المعتدلة، لكن يصعب معها التعرض لهواء التكييف المباشر، ومع امتلاء المسجد بجموع المصلين والفصل تنشط فيه الحساسية والفيروسات، يكثر السعال والعطس وهذه أفضل بيئة لنقل العدوى، فتوجب فتح النوافذ للهواء الطلق البارد والنظيف. تحدثت مع العامل عن سبب تشغيل التكييف البارد فذكر أنه ينتظر إمام المسجد ليعمده بذلك، فما كان مني إلا أن حدثت الإمام فتقبل ملاحظتي بصدر رحب.
هذه بعض من الأمور التي يتوجب علينا جميعا خصوصا وزارة الشؤون الإسلامية بكامل طاقمها مراعاتها؛ حفظا لمكانة بيوت الله فهي مصدر النور فرفقاً بها ولنوليها احترامنا المستحق.. والله من وراء القصد.