تصدر الوزارات المختلفة تقاريرها السنوية وبعضها تبهرنا أشكالها وما يصاحبها من احتفاء، لكننا قليل ما نتفحص الأرقام بدقة ونحلل محتواها، وهل توفر لنا مؤشرات حقيقية عن الواقع أم لا.. أحياناً حتى الجهات المختصة كمجلس الشورى والجهات الرقابية الأخرى تحتاج إلى محللي بيانات ليساعدوا الأعضاء في تحليل بعض المؤشرات التي يمكن استنباطها من تقارير الجهات الحكومية المختلفة.
سأركز اليوم على تقرير وزارة الصحة وهي تقدم معلومات خام تحتاج لتحليل أدق لتصبح معلومات ذات قيمة، كما تتجنب عرض معلومات مهمة ذات علاقة بالأداء.. على سبيل المثال هي تذكر عدد الأسرة، لكنها تهمل الإشارة إلى نسبة الإشغال ومعدل التدوير لتلك الأسرة. قد يفتتح مستشفى 300 سرير يعمل جزئياً أو توجد ظروف تشغيلية تعيق تشغيل مستشفى ما بالكامل ورغم ذلك تورد الأرقام وكأن المستشفيات تعمل بكامل طاقتها؛ مع ملاحظة أن هناك نسباً متعارفاً عليها حول حجم إشغال الأسرة والهامش المقبول للأسرة غير المشغلة.
بعد المقدمة دعونا نتفحص تقرير وزارة الصحة لعام 1432هـ ونحلل البيانات المتعلقة بعدد الأسرة لنرى الحجم الحقيقي للتطور الصحي وهل يتوافق فعلياً مع الحملات الإعلامية والتصريحات المبهرة التي تحاصرنا بها وزارة الصحة. وفق التقرير، المشار إليه، ارتفع عدد الأسرة خلال خمس سنوات (ما بين 1427هـ و1432هـ) من 31420 سريراً إلى 34450 سريراً، أي بمعدل 600 سرير سنوياً.. بمعنى آخر عدد الأسرة التي تضيفها وزارة الصحة كل عام لا يتجاوز 2% فقط!.
هذا يعني أن وعود وزارة الصحة بإضافة آلاف الأسرة خلال سنه أو سنتين مجرد طموح، وتحليل مؤشرات التطور خلال العشر سنوات الماضية الأرقام تثبت عدم إمكانية تحقيقه.. لا يوجد مؤشرات في النظام أو الإدارة تجعلنا نتوقع قفزة كبرى في هذا الشأن!.. الصدمة الكبرى في تحليل الأرقام تكمن في تناقص الأسرة وليس زيادتها، في بعض المناطق.. وإليكم الأمثلة تقارن بين عامي 1427هـ و1432هـ:
في مكة المكرمة تناقص العدد من 2024 إلى 1875 سريراً خلال الفترة المشار إليها، بخسارة 141 سريراً أو ما معدله 7 في المائة.
في جدة تناقص العدد من 2650 إلى 2410 أسرّة، بخسارة 240 سريراً أو ما معدله 9 في المائة.
في عسير تناقص العدد من 2000 سرير إلى 1950 سريراً، بخسارة 50 سريراً.
في جازان تناقص العدد من 1796 إلى 1765 سريراً.
في القريات تناقص العدد من 350 إلى 340 سريراً.
هذا يؤكد أن زيادة الأسرة يتم بشكل عشوائي ولا يبنى وفق خطة عادلة تراعي احتياج جميع المناطق بما فيها الأكثر احتياجاً.. توزيع المراكز الصحية يؤكد ذلك في بعض المناطق، حيث نجد أن عدد المراكز الصحية تناقص في عسير من 250 إلى 227 مركزاً وفي القريات من 17 إلى 16 مركزاً.
ومع الأرقام نذكر بأن ميزانية وزارة الصحة أرتفعت بما يعادل الضعف خلال السنوات المشار إليها في المقال وتحديداً من 22 ملياراً إلى 39 ملياراً يضاف إليها الدعم الإضافي البالغ 16 ملياراً.. هذا يعني أنه مقابل زيادة الميزانية بحوالي 10 في المائة سنوياً يزداد حجم الخدمة بنسبة 2 في المائة فقط.. ويزداد الأمر سوءاً عند الأخذ في الاعتبار الزيادة السكانية، حيث نسبة النمو السكاني تتجاوز 3 في المائة سنوياً.