أعلنت جامعة الملك سعود عن حزمة مشروعات تحت التأسيس في المجال الصحي، ووصفتها بالضخمة للدرجة التي تجعلها البوابة لتغيير وجه الرياض الصحي نحو العالمية للطب، وفق ماورد في إحدى الصحف. وكعادة الجامعة في تبني مشروعات البناء والتأسيس يأتي التفكير في التنظيم الإداري والإستراتيجي لاحقاً. رأينا ذلك في مشروعات متعددة للجامعة. الجامعة -وليست الوحيدة في هذا الشأن- تؤسس لمشروعات ضخمة دون الإدراك بأن الثوب الإداري والتنظيمي الحالي غير قادر على استيعابها فتتحول خطوات تشغيلها إلى كثير من الضغوطات والصعوبات وربما العشوائية التي يصبح تجاوزها مرهوناً بالفعل الفردي للقائد الإداري، وليس بالفعل المؤسسي المنظم والمستدام. أصبحت الجامعة بهذه الطريقة تصنف تطورها بقادتها فيقال جامعة زيد أو جامعة عمر نسبة إلى مديرها.. أو الجامعة في عصر زيد والجامعة في عصر عمر.
لا توجد مشكلة في التوسع في المشروعات؛ الدعم موجود بلا حدود والحماس موجود من قبل العاملين في الجامعة. كل يريد تأسيس مركزه البحثي والطبي والعلمي والشاطر هو من يقنع إدارة الجامعة بمشروعه الذي يتحول من فردي إلى وطني تطلق عليه الألقاب، كأفضل مشروع وأول مشروع وأكبر مشروع. تلك طبائع الأمور أفكار الأفراد وأحلامهم وجهودهم هي ما يؤسس لمشروعات المؤسسة في أي مكان، طالما توجد رؤية إستراتيجية واضحة للمؤسسة وتلك الجهود تسير في إطارها.
هل لدى جامعة الملك سعود رؤية إستراتيجية متكاملة لمنظومتها الصحية بكافة فروعها التعليمية والخدمية والبحثية؟..
هل لدى الجامعة خطة لتكوين نظام إداري متماسك ومستدام لإدارة الخدمات الصحية التي ستقدمها تلك المشروعات الضخمة؟.. مشروع يحدد العلاقة العضوية إدارياً وإنشائياً وخدماتياً لتلك المنظومة؟.. هل لدى الجامعة رؤية حول تمويل تلك الخدمات بالطريقة التي تكفل استقراها واستمراريتها بشكل مستدام؟.. هل تعتقد إدارة الجامعة بأن كامل تلك المنظومة يمكن أن تدار عن طريق كلية الطب المشتت أعضاؤها بين أدوارهم التعليمية والبحثية وأعمالهم في القطاع الخاص وأعمالهم الاستشارية وبالنظام الأكاديمي الهش القائم وغير المناسب لإدارة العملية الخدمية الصحية، مالياً وإدارياً؟.. الأهم من ذلك هل إدارة الجامعة العليا راضية عن أداء مستشفياتها ومراكزها الصحية الجامعية؟.. هل تنافس منظومتها الصحية المؤسسات الصحية المحلية والأقليمية قبل أن تدعي أنها ستقودنا للعالمية؟.
تعودت الإكثار من الأسئلة وأراها مفيدة لو تمعن القادة فيها، ولا بأس من الإشارة إلى قناعتي بأن المستشفيات الجامعية بحاجة إلى تغيير طريقة إدارتها المالية والتنفيذية. لابد من التفكير في إطار مالي واضح يخص الخدمات الصحية، قد يكون شيئاً مشابهاً أو مماثلاً لما يعرف ببرنامج التشغيل الذاتي المطبق في المؤسسات الصحية الأخرى كالحرس الوطني والتخصصي والمدن الطبية وغيرها. قد يكون في إيجاد صيغة تسهم في تخصيص الخدمات الصحية الجامعية مع تأمين الجامعة على منسوبيها. قد يكون في فصل الإدارة التنفيذية للمستشفى عن عمادة كلية الطب وتكوين مجلس إدارة يشارك به جميع عمداء الكليات الصحية ويصبح عمل أساتذة الطب بالمستشفى وفق صيغة تعاقدية جديدة.
هناك أفكار وصيغ عديدة تتطلب بدايةً توفر رغبة التطوير وجرأة التغيير ومن ثم دراسة جميع الخيارات بشكل موضوعي. إذا لم تكن هناك رغبة وجرأة في اتخاذ قرارات التغيير الحاسمة، يصبح كل الحديث أمنيات في هذا الشأن. ألمحت إلى مفاتيح بعضها وسأزورها بشكل أكثر تفصيلاً، مالم يكن في التفصيل إزعاجاً لجمهور القراء الذين لا تعنيهم هموم الخدمات الصحية الجامعية.