في الوقت الذي يراقب فيه العالم طبيعة العلاقات بين إيران - من جهة - وأمريكا وإسرائيل - من جهة أخرى -، فإنني أستطيع أن أقول، وأنا مطمئن: إن خطورة إيران النووية ليست على هاتين الدولتين، بقدر خطورتها على أمن واستقرار دول الخليج العربي، التي تمارسها إما بالتبشير المذهبي، والطائفي، أو بالدعم المالي، أو بالابتزاز، والمزايدات، والمساومات، أو بالقوة، - وبالتالي - فإن كل الشعارات، والخطابات الاستهلاكية بين الأطراف الثلاثة، إنما تستخدم كرافعة سياسية، وتموضع في إطار القالب الدبلوماسي - لا أكثر -.
في هذا الموضوع، لن نغفل الاجتماعات السرية الكثيرة، التي تعقد بين تلك الدول الثلاث في عواصم أوربية؛ من أجل تحقيق المصالح المشتركة بينهم، تحت غطاء الملفات النووية، والعقوبات الاقتصادية، وإن كان هدفها في نهاية المطاف، إبقاء كفة الميزان العسكري ماثلة لصالح إسرائيل - مهما كان الثمن - مع أنه لا يمكن إغفال الوصول إلى أرضية مشتركة، تجمع بين أهداف إيران العليا مع المصالح الأمريكية، ومتطلبات الأمن الإسرائيلي.
نحن بين مطرقة، وسندان مشروعين خطيرين، لا يقل أحدهما خطورة عن الآخر، يعملان من أجل المنظور الاستراتيجي؛ لتحقيق مصالح الدول الثلاث في المنطقة، وهذا الاتجاه يؤكده “ تريتا بارسي “ - استاذ العلاقات الدولية - في جامعة “ جون هو بكينز “ في كتابه: “ التحالف الغادر.. التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية “، بأنّ: “ إدراك طبيعة العلاقة بين هذه المحاور الثلاثة، يستلزم فهما صحيحا لما يحمله النزاع الكلامي الشفوي الإعلامي “، وقد نجح الكاتب من خلال الكتاب في تفسير هذا النزاع الكلامي، ضمن إطار اللعبة السياسية القذرة، التي تتّبعها هذه الأطراف الثلاثة، ويعرض بارسي في تفسير العلاقة الثلاثية، لوجهتي نظر متداخلتين في فحصه للموقف بينهم: أولا: الاختلاف بين الخطاب الاستهلاكي العام، والشعبوي، أي: ما يسمى الأيديولوجيا هنا، وبين المحادثات، والاتفاقات السريّة التي يجريها الأطراف الثلاث - غالبا مع بعضهم البعض - أي: ما يمكن تسميته الجيو - استراتيجي.
ثانيا: يشير إلى الاختلافات في التصورات، والتوجهات، استنادا إلى المعطيات الجيو - استراتيجية، التي تعود إلى زمن معين، ووقت معين؛ ليكون الناتج محصلة في النهاية لوجهات النظر المتعارضة بين “ الأيديولوجية “، و” الجيو - استراتيجية “ - مع الأخذ بعين الاعتبار - أنّ المحرّك الأساسي للأحداث، يكمن في العامل “ الجيو - استراتيجي “، وليس “ الأيديولوجي “، الذي يعتبر مجرّد وسيلة، أو رافعة.
لا تزال الوقائع تؤكد لنا، أن قوة إيران تكمن في تعاملها مع أمريكا وإسرائيل، كلاعب إقليمي في المنطقة، يتبنى مشروعا إمبراطوريا قوميا، وتحكمه أيديولوجية فكرية دينية، ويدافع عن أطماعه في الامتداد العمقي أكثر باتجاه الخليج العربي؛ ليلتقي المشروعان، أي: الإيراني التوسعي، والمشروع الغربي المهيمن، في ظل غياب شبه كامل لمشروع عربي إسلامي.
وهذا ما يجعلنا نفهم بوضوح تصريح وزير الدفاع الإيراني - العميد - حسين دهقان، حين وصف تهديدات أمريكا، وإسرائيل لبلاده - قبل أيام - بأنها: “مزحة”، داعياً إلى “عدم أخذها على محمل الجد”.