د. فهد بن صالح السلطان

تحدثنا في المقالات السابقة عن محورين من محاو بناء وتشغيل المساجد، ومسئوليتهما عن إدارة وتشغيل بيوت الله وعن تحقيق الرسالة الاجتماعية للمسجد كمدرسة سلوكية لتنمية وتوجيه السلوك الحضاري خارج المسجد.. واليوم نتحدث عن المحور الثالث، أعني المصلين.. فهم أيضاً يتحمَّلون جزءاً كبيراً من المسئولية.

والذي يبدو أن ثقافتنا لم تسعفنا في التعامل مع بيوت ملك الملوك بما تستحق.. وهو أمر واضح في كثير من المصلين من حيث السلوك والمظهر.

وحتى لا يظن القارئ الكريم أن ذلك من قبيل التنظير أو جلْد الذات، حاولْ أخي الكريم عند أدائك لإحدى الفرائض هذا اليوم أن تقف قليلاً على منظر سيارات المصلين وكيفية وقوفها وعلى أحذيتهم وكيفية ترتيبها وعلى هيئة وملابس بعضهم... إلخ.

نترك المواقف المحددة للسيارات ونقف أمام باب المسجد أو أمام باب أحد المجاورين، وربما أقفلنا الطريق على المارة أو أعقنا مصلياً آخر من تحريك سيارته بعد الصلاة.

كل ذلك لنتلافى المشي على الأقدام لمسافة قصيرة رغم ما في ذلك من الثواب.. نترك الأماكن المخصصة للأحذية ونضعها في مدخل المسجد وأمام بابه بشكل مؤذٍ وبصورة غير لائقة.. روائح البعض مؤذية للبيت ومن فيه.. يرتدي بعضنا ملابس غير لائقة وربما بجامة نوم لا تليق بولوج بيت آخر فضلاً عن بيت إله العالمين مالك الملك.

يعبث البعض منا أثناء الصلاة عبثاً غير لائق في أنفه أو جواله.. أصبحت الصلاة عادة نؤديها بشكل متكرر وتحوّل المسجد إلى قاعة نرتادها من وقت لآخر.. وبالتالي ننتهي من الصلاة ونخرج من المسجد وسلوكنا هو سلوكنا.. لا نحترم حقوق الآخر ونسرع في قيادة السيارة ونسرف في الأكل ونقتصد في الإنجاز ونتكاسل في العمل ونماطل في أداء الحقوق، مع أن الصلاة طلب للهداية ممن يملكها واقتداء بسلوك خير البشرية وآدابه.. وهي - أي الصلاة - خلوة ومدرسة ومناجاة للخالق، تنهى عن الفحشاء والمنكر.

لا خلاف بين جمهور العلماء على أن الصلاة عبادة وتدريب وتهذيب للنفس.. ومثار الاستغراب هنا هو أننا نرتاد هذا المركز التدريبي بيت ملك الملوك خمس مرات في اليوم وعلى مدار العام.. أي أننا نخضع في العام الواحد على الأقل إلى 1825 دورة تدريبية عملية على السلوك القويم ونخرج بدون أثر يذكر على سلوكياتنا الاجتماعية.. ومن هنا جاءت مطالبتي بأن علينا مراجعة النفس.. أين يعود الخلل؟ على المصلين!! هل لدينا مشكلة جينية؟ أم في إدارة وتشغيل هذه المراكز الإسلامية العظيمة؟

وختاماً، فقد كان الهدف من هذه السلسلة التي تم الحديث فيها عن بيوت الله إلى التذكير بأن على الجميع أن يتحمَّل مسؤليته تجاه عمارة وإدارة وتشغيل المساجد وسلوك المصلين فيه، وعن قيامها بدورها في توجيه السلوك الاجتماعي والتربوي.

1 - الوزارة: إضافة إلى الجهود المشكورة التي تقوم بها، فإنني آمل أن تتبنى إنشاء مركز متقدم يُعنى بعمارة المساجد ومنهج وأسلوب إدارتها وتشغيلها وتدريب القائمين عليها، وما يتعلق بذلك من دراسات وبحوث.

2 - الأئمة: مراقبة الله في أدائهم لهذه المسئولية العظيمة، خصوصاً فيما يتعلق بالانضباط والسلوك وفي إدارة مرافق المسجد والتأكد من قيامها بوظائفها على الوجه الأكمل.

3 - جموع المصلين: كل ما علينا أن نتذكره عندما نفزع إلى الصلاة أننا نسعى إلى دخول بيت ملك الملوك ومناجاته.. وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ .. ولا أبلغ من قول الحق سبحانه على لسان نوح: مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا .

ننتظر اليوم الذي يكون فيه شكل المسجد وإدارته وسلوك المصلين فيه مدرسة لتهذيب حياتنا الاجتماعية وقدوة وهداية غيرنا من أصحاب الديانات الأخرى.

والله الهادي إلى سواء السبيل.