يا نجدت أنزور في الوقت الذي يحفظ التاريخ موقف الإمام الشهيد عبدالله بن سعود الكبير الذي افتدى شعبه أهل الدرعية بنفسه بعدما هددت القوات الغازية المدينة المحاصرة بالتدمير وقتل كل الناس قبل مئتي عام،
وحقنا للدماء وحبا في سلامة الشعب فقد سلم نفسه بعد يومين من مقابلته لإبراهيم باشا الذي قال :”لو أن الأمير عبدالله هرب في فيافي وصحاري نجد لسلم ولما قدرنا عليه “ وكان أهم شرط أن يسلم أهل الدرعية ولايؤذون ولاينالهم الضرر، نعم في الوقت الذي يخلد هذا الإمام في قبره في استنبول بعد أن شنقوه الظلمة نتيجة توحيده وعقيدته شاهدا على كيف تكون الزعامة مسؤولية والإمامة ربانية وشرعية سيخلد في مزابل التاريخ الطغاة الذين صبوا على رؤوس شعوبهم الجحيم والكيماوي والغازات السامة ، في الوقت الذي يستغفر السعوديون للإمام عبدالله أولئك يشتمهم شعوبهم صباح مساء لأنهم ظنوا أن الحكم صلاحيات وليس مسؤوليات.....
يا نجدت أنزور تناولت في فلمك ملك الرمال حياة الإمام عبدالعزيز بطريقة خبيثة ولئيمة فقدت الجوانب الإنسانية وتجردت من الموضوعية وخلت من الحقيقة التاريخية وذلك حينما وجهت نقدك بطريقة غير موضوعية لمسيرة تطبيق الإمام لحدود الله بقطع يد السارق والرجم والزواج من العائلات تأليفا للقلوب وجمعا للكلمة ومدا لأواصر القربى وتشريفا للجميع ورضا من الأطراف، ليضبط المجتمع ويفرض الأمن ويجعل المشروع مشروعا للجميع وليس لأسرته فقط، وما جرأتك في التطاول والتشويه لمايسمى بالوهابية التي لم تكن مصطلحا متداولا إلا صورة حقيقية لمن في قلوبهم مرض وذلك بالتطاول على منهج النبوة والصحابة والسلف الصالح الذي يسعى إلى تخليص الناس من تقديس البشر ووضعهم في منزلتهم دون مزاحمة للخالق جل وعلا، وهذا ماجاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأت ببدع وخزعبلات وخرافات ملأت العالم الإسلامي ومنها سوريا التي اختطفتها المذهبية الطائفية إلى جهة غير معلومة من الشرك بالله وحاربت تلك الطائفية أطياف الشعب السوري السني حتى أفرزت تلك الحرب ثورة شعبية قام بها الشعب السوري نفسه دون تدخل من أي طرف على أرض السوريين....
يا نجدت، المنصفون يرون القدرة على استغلال الخصوم سياسة وقدرة على التعامل بذكاء مع القوى العظمى آنذاك وماالملك عبدالعزيز إلا زعيم داهية وإمام عبقري ليجنب شعب الجزيرة ويلات الحروب ويعيد ملك آبائه وأجداده الذين لم يكونوا صنيعة ذات يوم، وكان هذا منهج كل الزعماء المعاصرين للملك عبدالعزيز في تلك الفترة التي كانت فترة تأسيس وتوحيد واستعمار الأجنبي للبلاد العربية وضعف لأمة الإسلام والحكيم من يقرأ القراءة الصحيحة ويحصل على النتيجة بأخصر الطرق والتكاليف، ولو قرأت الصراع بين الملك عبدالعزيز ووزارة الخارجية البريطانية في بريطانيا وووزارة المستعمرات التي في الهند لعرفت عبقريته رحمه الله التي أجبرت تلك القوى أن تعترف به زعيما من زعماء الدنيا آنذاك في معاهدة دارين الخالدة، وهذا مافهمه الرسول صلى الله عليه وسلم حينما عرض نفسه في بداية الرسالة وتكوين الدولة الإسلامية على القبائل وعلى ملوك الزمان كسري وقيصر والنجاشي آنذاك، ولم يخش رسول الله أن يقال: محمد صنيعة تلك القوى، والفرق واضح وجلي للعقلاء والمنصفين بين من يستعين للخيروالبناء والمعروف والاستقرار وبين من يستعين بروسيا والصين وإيران اليوم لاليحقق الرفاهية ويلم الشتات ويمكن للإسلام، بل ليفتك بشعبه ويهجرهم ويصب عليهم الويل والعذاب وينتقم منهم بأبشع الصور التي تتقزز منها الأسوياء....
يا نجدت أنزور في الوقت الذي يستحضر التاريخ واقع سوريا الذي لم تصل له كل القوى الشريرة التي حكمت العالم منذ أن كان إنسانه يستر عورته بورق الأشجار وحتى الحروب الكونية التي شهد عليها القرن الماضي، يستحضر كل ما مر بالإنسان من عذاب في قروننا السالفة ويجزم أن الإنسانية منذ بدء الخليقة واستخلاف الإنسان في الأرض ليعمرها وليس ليهدمها ويزيل شواهد حضاراتها لم تشهد مثل ماتعرض له الإنسان السوري المغلوب على أمره، فنيرون وهولاكو وتيمورلنك وهتلر وكل طغاة العالم القديم والحديث لم يفعلوا من الجرائم مايبلغ نصف ماجرى في سوريا خلال ثلاث سنوات صبت الغضب والجحيم والزمهرير على شعب لايستحق كل هذا العذاب الذي يرسم للأجيال القادمة أقذر ماتوصلت له النفس البشرية من استبداد ودكتاتورية حينما يصبون على رؤوس شعبهم البراميل المملوءة بالمتفجرات ويسحقون البقية بالكيماوي في صورة تفتقد أدنى مسؤولية إنسانية، ومن له حظ يهرب بعرضه وشرفه وحياته إلى المخيمات على حدود بلادهم، قتلهم الثلج وأكلوا القطط والكلاب وقتلوا كل ما لايستطيعون حمله في طريق الهروب من الوطن حتى عبثت بهم أيدي الجمعيات والمنظمات التي تعطيهم بيد الرغيف وتأخذ باليد الأخرى الشرف...
يا نجدت أنزور علاقة الملك عبدالعزيز رحمه الله بثوار سوريا والحركة الوطنية آنذاك يصورها قول الأمير شكيب إرسلان أحد أبطال الثورة السورية الكبرى عام 1925 م :” ثم إنني بعد ذلك اطلعت على بعض مراسلات سرية أكدت لي أن ابن سعود لايفرط في حقوق العرب وأنه باذل الجهد في تقليص النفوذ الأجنبي في الجزيرة”، وقال أيضا :”لولا أن قيض الله عبدالعزيز بن سعود لصيانة الاستقلال العربي في قلب الجزيرة العربية لكانت سيوف الأفرنج تعمل الآن في رقاب العرب”، ولم يجد الثوار الوطنيون السوريون في تلك الفترات إلا الملك عبدالعزيز حينما ضيقت عليهم فرنسا وبريطانيا كل السبل، ولا أدل من موقفه رحمه الله مع زعيم الثورة سلطان الأطرش، الذي لم يجد إلا ابن سعود نصيرا له، قال المؤرخ السوري أمين سعيد:”ونالت ثورة سورية الكبرى سنة 1925-1927م على فرنسا الكثير من مساعداته المادية وفتح أبواب بلاده الشرقية والقريبة من الحدود وهي الجوف وسكاكا وقريات الملح للمجاهدين السوريين فنزلوها آمنين”، بل كان الأمر أكبر من ذلك إذ كانت الشخصيات الوطنية في بلاد الشام - وهي من هي يانجدت - تؤمل أن يقودهم الملك عبدالعزيز لتوحيد العرب قاطبة، قال نبيه العظمة :” اتجهت آمالهم نحو الملك الجديد القوي ابن سعود من أجل الاستعانة به لتوحيد العرب في دولة عصرية منظمة “، وقال عادل العظمة عام 1927م :”إذا أضعنا هذا الرجل نبقى أشلاء “.
يا نجدت آل سعود حفظهم الله أسرة حاكمة منذ قرون، نختلف معهم في بعض وجهات النظر ويختلفون معنا في بعضها الآخر، ولم يصل الخلاف ذات يوم إلى ماوصل إليه الآخرون من فقدهم لإنسانيتهم في وضع الأمور في نصابها الحقيقي، وماسعيهم للإصلاح وتطوير الخدمات ووقوفهم على حاجات الناس إلا دليل على خلافهم معكم في طريقة الحكم وسياسة الناس والسبب فيما أعتقده يتلخص في ماكتبه الإمام ابن كثير عن المصلحة في ولاية يزيد بعد معاوية رضي الله عنه واستمرار الولاية في بيوتات الحكم التي تعودت على سياسة الناس بطريقة تختلف عمن جاؤوا من الشارع وعلى ظهر دبابة ليتلوا بيانهم الأول مع الفجر ويحكموا بالحديد والنار والجحيم، ولاأدل على ذلك يانجدت من نجاح الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله من فتح باب الحوار والمصارحة بين طوائف المجتمع قبل الربيع العربي وأحداثه التي عرت الأنظمة الشمولية والمستبدة، ولاأدل كذلك على حسن تدبير الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية وفقه الله لملفات المناصحة والنصيحة وعلاج مشاكل الناس ومحاولة إعادة تأهيلهم ليكونوا إيجابيين لأنفسهم ولمن حولهم حتى أصبحت مملكة الإنسانية مضربا للمثل وذات تجربة عالمية في معالجة الإرهاب ، لم يؤزم آل سعود الأمور وقدموا الحلم والرحمة ولم يستغلوا أجهزتهم الأمنية وقوة استخباراتهم للفتك والتصفية والانتقام و لم تنصب وزارة الداخلية المشانق ولم تأخذ المخطئين بالشبهة ولم تقتل أسرهم وعوائلهم ولم تأخذهم بجريرة أبنائهم وشعارها الإسلامي “ولاتزر وازرة وزر أخرى “، وكل يوم تزف زرافات منهم للمجتمع ولم تحرمهم من مستحقاتهم الوطنية ووظائفهم القيادية في الدولة بينما لايستطيع المواطنون في بعض الدول أن يذكر اسم المسؤول ولا أن يمر بالشارع الخامس من مقر الاستخبارات، وهذا هو الفرق الحقيقي وهذه تربية ملك الرمال لأبنائه وشعبه الأصيل،والأجمل في كل هذا أننا نريد منهم بذل المزيد في رفاهية المواطن والسعي إلى علاج كل قصور وفساد ولم يخرسوا الألسنة ولم يصادروا الحرية إيمانا منهم بأهمية المشاركة بين الشعب والحكومة وأنهما مكملان لبعضهما ولابقاء لأحدهما دون الآخر، وهم معنا في هذا الهم المشترك والذي يؤرقهم كما يؤرقنا...
يا نجدت أرجو أن تكون مثقفا حقيقيا لتعين بشار على حل المشاكل وتحثه على العفو والرحمة بدل أن تستغل الثروات التي جمعتها من السعوديين وفضائياتهم لتنفقها في الإساءة لرمزهم الأعلى ومثلهم وقائد مسيرتهم وباني حضارتهم الحديثة وعوين أخوته العرب عامة والسوريين خاصة وملاذ المسلمين في كل قضاياهم، وأن تكون لشعبك السوري بمثابة شاعر الأمة ومثقفها أبي الطيب المتنبي حينما وجه رسالته لسيف الدولة الذي فكر بأن يبطش ببني كلاب فقال له:
وَكَيفَ يَتِمّ بأسُكَ في أُنَاسٍ
تُصيبُهُمُ فَيُؤلمُكَ المُصَابُ
تَرَفّقْ أيّهَا المَوْلى عَلَيهِمْ
فإنّ الرّفْقَ بِالجاني عِتَابُ
والله من وراء القصد