شاركت مؤخراً في نقاش من تنظيم «ذي إيكونوميست»، حول ما إذا كان الجيل الجديد يتمتع بالمهارات الضرورية التي تخوّله تحقيق النجاح في عالم الغد. وكنت أظنّني أمام مهمة سهلة، تقضي بتبرير رأي يفيد بأن بعض الدول كاليونان بشكل خاص (التي كانت تستضيف الحدث)، تعاني نقصاً فادحاً في المهارات، في حين أنّ التدريب التعليمي والمهني فيها بائد ومُحوَّر على نحو خطير.
وقد أدركت أنّ للأمر تبريرات مباشرة، وأولها أن المدارس في الكثير من دول القارة الأوروبية القديمة، ولا سيما في جنوب أوروبا، لا يزال يمنح الحفظ أولوية على التفكير النقدي. وبالتالي، نكرّس كل تفكيرنا لتعليم مهارات فنية تتناقض مع تعزيز القدرة على التكيّف وإضافة القيمة ورصدها، وسط مشهد اقتصادي متحوّل. وتتجاهل الجامعات في دول أوروبية كثيرة الواقع الذي سيتصدّى له المتخرجون، كونها تمنحهم شهادات تتناسب أكثر مع الجيل الماضي.
يمكن طبعاً فهم كل ما يحصل، حيث إن هذه المدارس بُنيت خلال حقبة كانت المعلومات نادرة وقيّمة فيها، وكان الحصول على كمّ كبير منها عن طريق الحفظ من المهارات المفيدة. وغالباً ما نُظر إلى الشهادة على أنّها ترخيص بممارسة مهنة راقية كالمحاماة أو الطب. أمّا التدريب في مجال العلوم الإنسانية، فكان الأداة الضرورية التي سمحت للمتخرجين الشبان بشقّ طريقهم نحو طبقة القوى العاملة ذات الياقات البيضاء. وكان من المتعارف عليه أن التدريب المهني مرتبط بنظام المهن، المتحدر هو التالي من نظام النقابات المهنية. وبمعنى آخر، كان التعليم يستند إلى مَنح ألمع عناصر المجتمع (أو أوفرهم حظاً) إمكانية النفاذ إلى عالم من الامتيازات، ينشأ عن طريق استثناء غالبية الناس وتمييز نخبة صغيرة منهم فقط.
لا وجود لهذا العالم بعد الآن، حيث أن المهن خسرت طابعها الاحتكاري، في حين أنّ امتيازات النقابات المهنية بدأت تزول، وقد تشتتت القطاعات، وباتت المنافسة عالمية، وأصبحت أصول اللعبة تقوم على استحداث القيمة. ومع إحراز الصين تقدماً هائلاً في نظامها الأكاديمي، وفي ظل النتائج التي حققتها آسيا في امتحانات القدرات، التي تكشف النقاب عن انتقال جغرافي لمركز نشوء المواهب، ما عادت القارة الأوروبية القديمة قادرة على تحمّل التكاليف المترتبة عن عاداتها القديمة.
ولا يكفي أن نلقي اللوم على النظام التربوي، حيث إن دراسة حديثة عن أرباب العمل، أجرتها مجموعة «بيزنس راوندتيبل»، كشفت أن معظمهم يتذمر لأنهم عاجزين عن إيجاد الأشخاص المناسبين لملء الوظائف. ولا يعود السبب إلى عجز الراغبين في العمل عن القراءة، أو إلى افتقارهم إلى مهارات مرتبطة بمهنة معيّنة، بل إلى غياب للتفكير النقدي في أوساطهم، وللقدرة على حل المشاكل باستعمال التفكير النقدي وللاستعداد للعمل ضمن جماعة. ولعل الأسوأ من هذا كلّه هو انعدام المهنية، والقدرة على التكيّف، والمساءلة الشخصية على العمل، وهي مهارات لا يبدي النظام التعليمي استعداده لتوفيرها، مع أنّها تشكّل بالتحديد العناصر التي ينبغي أن يطوّرها الجيل الجديد.
وبالنظر إلى هذا السياق، أذهلني أن تكون نسبة 51 في المئة من المشاركين في النقاش قد وافقت على وجهة النظر التي تفيد بأن الجيل الشاب يفتقر إلى المهارات الضرورية. وقد يكون الأمر جاء نتيجة براعة خصمي، ستيف باينبريدج، في النقاش، إذ شدّد على ضرورة أن نؤمن بالجيل الأصغر، وتحدّث على قيمة الأمل، داخل صالة النقاش الواقعة في دولة تختبر أوضاعاً متأزمة.
إلاّ أنّ المسألة قد تكون أعمق من ذلك، وتعكس مدى صعوبة الإقرار ببعض الحقائق المزعجة، ولا سيما متى تعذّر علينا توفير حلول جاهزة.