فيديو مروع ذلك الذي انتشر عن العملية الإرهابية التي تم تنفيذها في مستشفى العرضي التابع لوزارة الدفاع اليمنية، وأظهر كاميرات المستشفى الهجوم الذي بدأ بتفجير انتحاري لسيارة مفخخة عند مدخل المجمع قبل اقتحام مسلحين للمبنى وشروعهم في قتل الأطباء والممرضات والمراجعين دون رحمة. وكانت العملية الأرهابية التي تعرض لها مبنى وزارة الدفاع اليمنية أسفرت عن سقوط نحو 250 ضحية.
مثل تلك الجريمة الإرهابية المروعة يفترض أن تكون العنوان الأبرز لبعض خطب الجمعة لأسابيع، لايوجد فكر تكفيري بهذا النوع الهمجي من القتل بدم باردة للمرضى والأطفال والأطباء والممرضين على هذا النحو، إنه جزء من محنة الإرهاب الكبيرة، وجزء من محنة اليمن الحديث، بل والمنطقة باسرها، وصولاً للجماعات التكفيرية الجهادية الطائفية المسلحة في سوريا.
أو على الأقل كان يفترض أن توخذ تعليقات المفتي في السياق بجدية كبيرة وتصبح جزء من خطب وتؤصل في المناهج. فقد أكد المفتي العام للمملكة عبدالعزيز آل الشيخ أخيراً أن من يفجر نفسه بالأحزمة الناسفة “مجرم” عجل بنفسه لنار جهنم، فهم يقتلون أنفسهم ويدمرون غيرهم من البشر.
لكن لم يتطرق الخطباء بشكل ملفت لهذه الأحداث والفكر الخطر، فالخطباء إما مؤججون أو في عزلة زمنية غالباً، وأكثرهم تسامحاً يكرر خطبه باستمرار عن عبادة الله وحده لاشريك له وكأنه يخطب في ملحدين!.
لم يعد التبرير لجماعات القتل والدم بأشكال مباشرة أو غير مباشرة مقبولاً مهما كان مصدره أو سببه، بل يفترض أن يصبح جريمة، جريمة تحريضية جزاؤها أشد العقوبات، حتى لشيوخ الفتنة المعروفين.. والمطلوب الكثير من الصرامة والحزم مع هذه الرموز؛ بل إن تجاهل نشر الوعي لحماية الشباب من الخطف الذهني من قبل هذه الجماعات الضالة هو تقصير في حق مسؤولية المنبر وأمانته، يستحق معه المقصر إيقافه أو استبداله.
نحن اليوم أمام أكثر من جماعة مسلحة تدعي أنها إسلامية طبقاً لتفسيرها الخاص، أو قواعد مسلحة لجماعات تشتت بعد رحيل الهالك أسامة بن لادن. جماعات إرهابية تقتل وتعيث في الأرض فساداً بشكل فج ومرعب ورهيب، حتى الدول لم يعد بإمكانها إصدار حكم أعدام أو قتل دون محاكمات دقيقة وشفافة ومراجعات، وموافقة من أعلى سلطة قضائية في البلاد، التطور البشري المدني أوصل دول وجماعات لرفض عقوبة الإعدام، لكن تلك قصة أخرى بعيدة عنا..
ثم نحن أمام حادثة خطرة وتنظيمات قذرة فكرياً وعملياً، قد تنذر بعودة مخاطر الإرهاب، وتكرار أخطاء الماضي القريب، حيث عودة ملحوظة لدعاة ووسائل إرهابية أصبحت تنفث سمومها وطائفيتها في كل مكان، مستفيدة من شبكات التواصل الاجتماعي هذه المرة.. بل وأصبحت تزاحم الفضاء، هناك اتهامات توثيق لقنوات متطرفه تعمل على نشر الفكر الطائفي والتحريض المذهبي، وتبث سمها القاتل في الفضاء عبر أقمار صناعية معروفة مثل قناة وصال، يقابلها قنوات محسوبة إيرانية وعراقية تمارس نفس أسلوب الشحن الطائفي الرخيص والمريض والقاتل.
وكما الإرهاب فإن التطرف المذهبي يصعب إخماده سريعاً ونهائياً، لكن أن تتاح لهما مساحات معلنة عبر منابر ووسائل معروفة ومناهج ومحاظرات، فإن هذا هو الخطر الكبير لأجيالنا وللأجيال المقبلة.
ومن المهم محاربة هذا الثعبان ذي الرأسين، رأس في اليمن والأخر بسوريا ونحن بينهما..! -أعني التطرف الطائفي والإرهاب-. وقبل أن نذهب لنلوم الغرب (الكافر) أو العدو المتخيل على صناعة التنظيمات الجهادية المسلحة، أو الوقوف خلف الجماعات الإرهابية وتحريكها، أو استغلال الطائفية وإذكائها، وننسى أن البذور أصيلة في الثقافة الدينية عند تطرفها، حيث خطاب الكراهية والجهل لايزال حاضراً.. بل أصبح كأنه راسخ في النفوس والعقول المختطفة، فالفكر القاعدي الإجرامي، والطائفية القاتلة ليست اليوم جزءاً من الثقافة الغربية؛ بل هو جانب أصيل من ثقافتنا في تطرفها الخطر.
فالإرهابيون يلعنون الغرب ثم يفجرون أنفسهم لقتل مسلمين، والدعاة يوجهون نشاطهم لتصنيف المجتمعات وتفريقها ويتحدثون عن وحدة الأمة ومستقبلها، والطائفية والمذهبية تلعن تطرف اختها وتبيح دمها!.. خلل حاد.. لكنه قاتل.