الاتفاق النووي الإيراني المؤقت مع الغرب لا يتجاوز عمره الستة أشهر، وهو اختبار أخير وخطير يضعه الغرب بقيادة الولايات المتحدة لإيران، على أمل التخلص من برنامجها النووي، لكن من الواضح أنه لن يكون نهائيا أو مقدمة لاتفاق نهائي كما هو مرغوب، وكما تأمل دول المنطقة والعالم.
رضوخ إيران للاتفاق بكامل أهدافه، وإعلان موت المشروع النووي الإيراني غير السلمي، وتسليمه للغرب هو بمثابة الموت للثورة الإيرانية القائمة على عداوة الآخر، إقليميا ودوليا، وغياب عدو للنظام الإيراني الراهن، القائم على المرشد كنواة مركزية للنظام والسلطات، وما يتبعه سلطة الملالي والحرس الثوري بكل نفوذهم الاقتصادي، يعني ببساطة تضعضعه الداخلي، ونهايته.
ولتتضح الصورة حاول أن تعد على يد واحدة أصدقاء لإيران في العالم العربي والإسلامي، كما على المستوى الدولي..؟!
قدرة النظام على البقاء ظلت دائما ومنذ قيام الثورة مرتبطة بعداوة خارجية، من الحرب العراقية-الإيرانية التي امتدت نحو خمسة وعشرين عاما، ثم محاولات لم تتوقف يوما لصناعة القلاقل والزلازل في المنطقة، وتكفي نظرة للخريطة الشرق أوسطية من سوريا ولبنان والعراق والبحرين واليمن وحتى السودان، ومحاولة النفاذ لمصر وغيرها، لندرك أن فكرة تصدير الثورة التي تجيز لهذا النظام التدخل العنيف -أيضا- في دول مستقلة، هي الفكرة الجوهر لبقاء النظام الإيراني بوضعه الراهن، لنظام قادر على المساهمة بفاعلية في خلق الفوضى.. الفوضى المدمرة للدول.. والجوار.. والعرب.
أمس الأول أعلن الوزير الإيراني محمد جواد ظريف، أن بلاده ستقرر بمفردها مستوى تخصيب اليورانيوم الذي تحتاج إليه وفق وسائل الإعلام الإيرانية، رغم أن اتفاق جنيف ينص على أن طهران وافقت على الحد من مستوى تخصيب اليورانيوم إلى ما دون نسبة خمسة في المائة! إلا أنه أكد أن بلاده لن تسمح لأي كان من الدول الأخرى بأن يحدد حاجات إيران في مجال التخصيب، وحتى إن كان هذا التصريح للاستهلاك، فإنه أيضا يعكس عقيدة السياسة الإيرانية الخارجية، فالمتحدث هو وزير للخارجية!
الرئيس الإيراني حسن روحاني، نفسه استبعد في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز”، تفكيك المنشآت النووية لبلاده، واصفاً ذلك بأنه خط أحمر.
لكن بعض المناورة مستمر فقد أعلن السفير الإيراني لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن بلاده ستبدأ تجميد (بعض) أنشطتها النووية المثيرة للجدل بين نهاية ديسمبر وبداية يناير، وذلك تطبيقا للاتفاق الذي وقعته مع الدول الكبرى..
لكن لنتذكر أيضا أن الستة أشهر المقبلة ستشهد مفاوضات لن تتوقف ومناورات إيرانية قد تؤخر الكثير، فالغرب ملتزم الآن بجدول زمني، وستجد إدارة أوباما بعدها أنها استنفدت طاقاتها ووقتها، أو قد تكون ارتكبت حماقة بتصديق النوايا الإيرانية التي كانت ماهرة دائما في كسب المزيد من الوقت لصالح جبهات أخرى، مثل سوريا ولبنان.
وإن كانت الشهور الستة المقبلة حاسمة بالنسبة لتطبيق الاتفاق وبناء الثقة من جانب إيران، وفي مقابل تعليق جزئي للعقوبات الدولية، والسماح للمفتشين الدوليين بالوصول الحر إلى المواقع الحساسة.. وقد يكتشف الغرب لاحقا أنه أنقذ اقتصادا منهارا، ومنح طهران تنفساً اصطناعياً للبقاء، وفقدت العقوبات فاعليتها، ثم لا شيء فعليا قد تحقق..
لان ذلك كله لن يفضي ذلك بالضرورة إلى إيقاف البرنامج النووي الإيراني، فقد أعلن مسؤول إيراني بعد الاتفاق أن بلاده وبمساعدة الروس سيشرعون في بناء مفاعل نووي في منطقة بوشهر القريبة من سواحل الخليج العربي..!
وسيمر عام دون اتفاق شامل كما هو مأمول، حينها سيكون تبقى لأوباما في البيت الأبيض سنة قد لا تكون سعيدة أبدا.. أي إننا أمام سنتين متعبتين ومرهقتين للمنطقة، فيما طهران تناور من اجل الوقت، وتستمر في المواجهة عبر أكثر من جبهة عربية، وتبحث عن ثقة عربية في نواياها..!