- أقول هذا من باب التمني والترجي، وأن نمسي ونصبح على مدن سعودية تعرف كيف تظل مستيقظة؛ غير متثائبة ولا نائمة طيلة العام.
) ما أكثر المدن التي تقبع في الظلام، ويغطيها النسيان، حتى أنها لا تذكر إلا من خلال النشرة
الجوية - هذا إن جاءت على مزاج مذيع الأرصاد الجوية..! أو من خلال أخبار ما يقع فيها من حوادث جنائية، أو كوارث طبيعية.
) حضرت واستمعت إلى كلمة الأمير مشاري بن سعود أمير منطقة الباحة قبل ثلاثة أسابيع في حفل افتتاح ملتقى الباحة الإعلامي، فقد ذكر أنه كان يستمع إلى مذيع النشرة الجوية؛ الذي طاف عدة مناطق ومدن إلا الباحة الذي لم يقل عنها شيئاً..!
) هذا هو الحال إذن في عديد المدن الصغيرة وخاصة الطرفية منها، فحتى النشرة الجوية التي تأتي مع أخبار الوطن؛ تتجاهلها، فلا تقل لأبناء الوطن هل هي حارة، أم دافئة، أم باردة..؟! ولعلها تفضلها باردة على طول..!
) الواقع أن خطط التنمية التسع، لم تحفل كثيراً بمدن الأطراف، وبدا أن من أكبر سلبياتها طوال خمس وأربعين سنة؛ التركيز على المدن الكبيرة، مثل الرياض وجدة والدمام، خلاف مكة المكرمة والمدينة المنورة، فلهاتين المدينتين المقدستين؛ وضعهما الخاص المرتبط بالشعائر الدينية.
) ركزت الخطط على المدن الكبيرة على حساب الأخرى الصغيرة، فشملتها بالمشاريع الكبيرة والصغيرة، حتى تحولت إلى مهاجر جديدة للسكان القادمين من مناطق ومدن وقرى بالمئات، هجرها كل ذي همة وباحث عن فرصة تعليم أفضل وعمل أفضل، ونسي موطنه الأول، فتكدس الناس في ثلاث مدن كبيرة لتصبح أكبر مما كانت، فتعج بملايين البشر، وتضج بملايين السيارات، وتتعقد الحياة فيها، حتى لم تعد مشاريعها التي خُصّت بها تستوعب ملايين الناس، فأصبحنا أمام مشاكل جديدة في المواصلات والماء والكهرباء والهاتف والتعليم والصحة .. وهلم جرا..
) لو اهتمت خطط التنمية بالمدن الصغيرة حول الرياض على سبيل المثال، فوزعت عليها الكليات والجامعات والمعاهد، ووفرت الخدمات السكانية والصحية، لما أصبحت الرياض كما هي اليوم؛ تعاني من معضلات خدمية، وتبحث عن حلول عاجلة وآجلة. والحال كذلك في جدة والدمام، فزحمة المواصلات في كل هذه المدن، هي أبرز ما يواجه الناس فيها، إلى جانب كثير من المشكلات التي تواجه سكان هذه المدن، ويصدم بها زوارها.
) قبل ثمانية أعوام تقريباً؛ كتب الأمير سيف الإسلام بن سعود مقالاً جريئاً في عموده بصحيفة عكاظ، تحدث فيه عن المدن الطرفية وما يطبق عليها من نسيان جاء تحت عنوان: (إنها مدن تستغيث)، فعقبت عليه بمقال آخر في صحيفتي هذه تحت عنوان: (حقاً .. إنها مدن تستغيث)، (//2005/20051218/ar4.htm) طالبنا- هو وأنا- بأن تولي مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، مزيد الاهتمام بهذه المدن، بحيث تعطى الأولوية في تنظيم الأنشطة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وخلافها، حتى لا تنسى، فإذا هي لم تكسب الكثير من جعبة خطط التنمية، فعلى الأقل تتحرك من خلال اللقاءات والمؤتمرات والمهرجانات وخلافه، وكما يقال في المثل: (إذا فاتك القطار؛ تمرغ في ترابه)..!
) أعود إلى منطقة الباحة؛ التي أرادت أن تعلن عن نفسها من خلال نشاط جديد ابتدعته لنفسها وهو: (ملتقى الباحة الإعلامي)، ويماثله (مهرجان الرمان)، و (المهرجان السياحي الشتوي في المخواة وذي عين).. وهكذا .. هذا ما يسعى إليه بعض المدن التي تشعر أنها منسية، وتحاول أن تنفي هذا بجهود ذاتية، فالمدن التي تتبنى مبادرات من هذا النوع، مثل الطائف ونجران وأبها وجازان وحائل والأحساء والقطيف وبريدة وعنيزة ونحوها، لديها ما تفعله من جانبها هي، بينما تستحوذ الرياض وجدة والدمام وغيرها، على المناسبات الكبيرة، والمؤتمرات والملتقيات، فلا يمر أسبوع إلا وهناك مناسبة تعلن عن مدينة كبيرة ليست في حاجة لمثل هذا الإعلان، ومدن أخرى تراقب ما يجري وتضرس، ويتطلع أبناؤها لكي يشاركوا في مثل هذه الجهود، لتتحرك في مدنهم عجلة التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
) أعتقد أن المستقبل هو لمثل هذه المبادرات الذاتية، وهذه الجهود النابعة من قناعة كبار المسئولين وقادة الفكر والاقتصاد والثقافة في المدن الطرفية، مع حفظ حقوقهم في المطالبة بنصيب مما تُخصّ به المدن الكبيرة.
) إن كل مدينة صغيرة وطرفية - إن صح تعميم هذه التسمية - لديها ما تقوله وتعلن عنه وتساهم به وتبرز من خلاله، فهناك مدن سياحية وأخرى زراعية ورعوية وسمكية، كل منها تستطيع أن تنظم مهرجانات سنوية بهذه المناسبات، وأن تعقد ملتقيات ومؤتمرات اقتصادية وثقافية وفنية ومسرحية وخلافها، وأن تتعدى بها حدود الوطن إلى الفضاء العربي والعالمي.
) إذا أرادت هذه المدن أن لا تظل طرفية، ولا صغيرة، وأن لا تتثاءب، ولا تنام؛ فعليها أن تتحرك بشكل جدي دون انتظار المساعدة من أحد خارجها، وأن تخدم نفسها بنفسها، فهذا أجدر بها، وأجدى لها.