على عكس ما كانت تدل عليه كل المؤشرات خلال الأيام الماضية، عادت لغة التفاؤل بنجاح الحوار الوطني بقوة إلى تصريحات القياديين السياسيين وذلك لعدة اعتبارات لعل أهمها إعلان الجبهة الشعبية أشرس خصوم حركة النهضة الحاكمة، عن قرارها عدم رفض أي مرشح يحظى بتوافق الأحزاب السياسية الأخرى، إلى جانب تأكيد علي العريض رئيس حكومة الترويكا على توفر كل الضمانات لنجاح الجولة الأخيرة للحوار واستعداده للرحيل حال تشكيل حكومة جديدة.
وكانت الجبهة الشعبية قد أعلنت في تغير مفاجئ لموقفها، بأنها ستكتفي بحق التحفظ إذا ما اتفقت القيادات الحزبية المشاركة في الحوار على اختيار شخصية لخلافة علي العريض ورأت الجبهة أن ذلك الاختيار لا يروقها، وشدد الناطق الرسمي باسم الجبهة في ذات الإطار، بأن الجبهة قررت عدم رفض أي ترشيح سعياً منها إلى دفع الحوار نحو النجاح.
وهو موقف فاجأ الطبقة السياسية والتونسيين بمختلف انتماءاتهم خاصة بعد أن كان الناطق الرسمي باسم حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم قد اتهم الجبهة صراحة بالوقوف وراء تعطيل الحوار الوطني، فيما انبرى قياديو الجبهة الشعبية يدحضون هذا الاتهام الذي يبدو أنه كان منطلقا لهم لإعادة النظر في مواقفهم المتشددة السابقة وبالتالي تغييرها 180 درجة لتتناسق ومواقف خصومها.
ومما يؤكد فرضية السير نحو إنجاح الحوار نبرة التفاؤل التي طغت على تصريحات الرباعي الراعي للحوار بعد التقائه برؤساء الأحزاب الفاعلة الذين لمس فيهم عزما صادقاً على التنازل من أجل القضاء على الهوة التي تفرق بينهم والاقتراب شيئاً فشيئاً من التوافق بشأن الشخصية التي ستتولى منصب رئاسة الحكومة الجديدة.
فبعد أن كان التوتر يسيطر على تصريحات الحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل الذي يقود الرباعي الراعي للحوار، على خلفية ازدياد مؤشرات إفشال الحوار خلال الأيام القليلة الماضية، لاحظ التونسيون أن العباسي أصبح يتكلم لغة الواثق من نجاح مبادرته وفي هذا الصدد قال: «أنا متفائل بنجاح الحوار وادعو كافة الأحزاب إلى المزيد من التنازل خاصة في ظل هذا الظرف الخطير الذي تمر به بلادنا.. نحن نريد التوصل إلى التوافق حول شخصية مستقلة بعيدة عن التجاذبات الحزبية وتحظى بثقة الشعب وتنكب على معالجة الملفات الحارقة وتعمل على مكافحة الإرهاب واستئصاله وتكون قادرة على تأمين انتخابات نزيهة وديمقراطية تعيد الثقة للشعب».
في المقابل، جدد علي العريض رئيس حكومة الترويكا استعداد حكومته للرحيل حال استكمال المسارين الحكومي والتأسيسي، داعياً الشعب التونسي إلى الاطمئنان وعدم الشعور بالخوف مما تروجه بعض الأطراف عما سياتي يوم غد السبت في صورة إعلان الرباعي الراعي للحوار عن أي قرار جديد. العريض مازح التونسيين بالقول بأنه لا شيء سيحصل بعد الساعة منتصف النهار من يوم غد السبت عدى الساعة الواحدة بعد الزوال وأن الأحد سياتي بعد السبت، وذلك في إشارة إلى الرعب الذي سكن نفوس أغلبية التونسيين الذين أثرت عليهم بعض أحزاب المعارضة التي عملت خلال الأسبوع المنقضي على تجييش الشارع وبث البلبلة والخوف في صفوف عامة الشعب عبر تداول فرضيات سيناريوهات سوداء بانتظار تونس يوم 14 من الشهر الجاري.ولعل فشل اللقاء الأخير الذي جمع أعداء الأمس حلفاء اليوم الشيخين راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة والباجي قائد السبسي زعيم حركة نداء تونس ورئيس الحكومة الأسبق، والذي انتهى بخلاف حول أهم القضايا السياسية المطروحة وذلك على عكس اللقاءات الثنائية السابقة التي اتصفت بالحميمية بعد إذابة الجليد الذي كان يخيم على علاقة الرجلين وحزبيهما، حتى وصل الأمر بالبعض إلى استنتاج وجود صفقة بينهما تطبخ على نار هادئة قوامها التوافق حول اقتسام السلطة مقابل تهدئة الأوضاع المتلاطمة.
أما فيما يتعلق بآخر المستجدات في ملف ترشيحات الأحزاب لمنصب رئاسة حكومة الكفاءات المستقلة، فتؤكد بعض التسريبات أن اسمين فقط ظلا في قائمة المرشحين لخلافة النهضوي علي العريض وهما المحامي وعميد المحامين الأسبق شوقي الطبيب وجلول عياد وزير المالية في حكومة السبسي بالرغم من الإشاعات المغرضة التي روجتها بشأنه أطراف من المعارضة حول تورطه في ملفات فساد كبيرة.
ووفق مصادر حسنة الاطلاع، فإن السباق نحو قصر الحكومة يقتصر اليوم بين هذين الرجلين الذين عبرا عن استعدادهم لتحمل هذه المسؤولية فيما تشير ذات المصادر إلى أنه إمكانية أن يتنازل أحدهما للآخر شرط أن يشغل منصب نائب لرئيس الحكومة المقبلة. وهي تسريبات لو صحت ستكون ذات جدوى خاصة وأن الأمر سيحسم خلال الساعات القليلة المقبلة أي قبل حلول نهاية المهلة التي حددها الرباعي الراعي للحوار عند منتصف نها ر اليوم السبت.