* كان الإرهاب وما برح فِعلاً وفاعلين، جرحاً عميقاً في خاصرة كثير من الشعوب والمجتمعات، شرقيها وغربيها، كنا فيما مضى نقرأ ونسمع عن (إرهاب المافيا) بنسختيه الغربية الأصلية، والشرقية (المقلّدة) في بعض (دول العالم الثالث) المنكوب أصلاً بفقره وجهله وتخلفه.
***
* اليوم، بات لـ(الإرهاب) أكثر من (واجهة) بشعارات ومرجعيات متباينة، بعضها سياسيُّ الجذور، وبعضها الآخر (مؤدلج) بلافتات مذهبية أو عرقية أو اجتماعية، وقد اتسعت رقعة انتشاره مؤخراً في بعض المجتمعات العربية بكل ما يصاحب ذلك من آلام وسفك دماء وانتهاك حرمات، مثله في ذلك مثل عدوىً تنتشر في أكثر من جسد، ليُبتَلى الجميعُ بحمّى فتنٍ، ما ظهر منها وما بطن.
***
* ما يؤرقني وأمثالي في هذا الوطن الغالي وفي سواه إصرار (الآخر) في بعض الأماكن القريبة والبعيدة من هذا العالم على (استنساخ) الإرهاب (إسلامياً)، وربطه في صوره الحديثة بديننا الحنيف، وكأنه جزء لا يتجزأ منه، وهو الذي أراده الله للناس رحمةً لا عذاباً وعزةً لا هواناً.
***
* قد يقول قائل: إن الممارساتِ القاتلةَ التي تمارسها فئات تنتسب إلى الإسلام اسماً، جعلت البعضَ في الشرق والغرب يحمَّل المسلمين ودينَهم وزْرَ الدماء التي تنتهك كرامتها في أكثر من وطن إسلامي وعربي.
***
* والحقيقة أن الإرهاب جرمٌ إنساني لا يقتصر فعله ولا الأذى الناجم عنه على مسلم دون سواه. لكن بعض تداعيات السياسة الحديثة وإملاءاتها وتحالفاتها قادتْ إلى نشوء ذلك القبح الفكري تأويلاً وتجريحاً وتجريماً للمسلمين، وكأنّ الإرهابَ (صناعة إسلامية) بامتياز.
***
* وقد كتبت قبل حين من الدهر أهجُو الظروفَ التي أساءت إلى مسلمي هذا العصر بربطهم بالإرهاب، فعلاً وفاعلاً ونتائج، في الوقت الذي يسلّم فيه كل عقلاء العالم، أن الوزرَ لا يزره إلا ّفاعلُه من السفهاء، ومن ثم لا يتعدّاه إلى الأبرياء في أيّ زمان أو مكان.
***
* اليوم أستنفر مآسي الحاضر للحديث مجدَّداً عن هذا الموضوع، بعد أن سمعت مقولاتٍ تُوقر الآذانَ ربْطاً بين الإسلام والإرهاب، وفي الوقت نفسه، يُؤْلمني أن بعضَ السفهاء من المسلمين زادُوا هذه الأيام من وتيرة عَبثِهم، تكْفِيراً وتدْمِيراً وقتْلاً تَحتَ شعاراتٍ ومسوغاتٍ متباينةٍ مِمّا يُسهمُ في تصعيد الحملات ضدّ هذا الدين خاصة والمسلمين عامةً، ليؤخذَ البريءُِ بجُرمِ المنحرف.
***
* قلتُ يومئذ، وأقولُ اليوم: إن الإنسانَ المسلم، كغيره ضمن الأسرة الدولية، يتعرّضُ لفتنةِ الحكم عليه حُكْماً عشْوائياً جماعياً لا استثناءَ فيه، يُسيّره إمّا الجهلُ بالإسلام أو الكُرْهُ المبيَّتُ للمسلمين أو كلاهما معاً! ويُبْنَى هذا الحكمُ غالباً على سلوكيات بعض المسلمين.. حتَّى لقد اقترنَتْ هُويةُ المسلم في بعض الأمصار، شرقيةٍ وغربيةٍ، بنعُوتٍ غيرِ حميدةٍ، مثل الإرهاب وسفك الدماء، ناهيك عن الرَّغبةِ في التَّقوْقَعِ حضَارياً داخل أسوار التاريخ والجغرافيا، وهَجْرِ وقَائعِ الحاضِر وأحلامِ المستقبل زُهْداً فيها أو تسْفِيهاً لها!.. أقول هذا رغم أنني لم ولن أبرئ بعض المسلمين من اقتراف هذه الآثام، فهم -ككل البشر- معرضون للفتن، سواءً كانوا الذين أشعلوها أو كانوا حطباً لها.
***
* وحديثاً، باتَتْ قضية (الإرهاب الإسلامي) الشُّغلَ الشاغلَ لكثيرٍ من السياسيّين والمراقبِين والمحلَّلِين ناهيك بالأفرادِ العادييّن في معظمِ أقْطَارِ القَارّتيْن الأوروبيةِ والأمريكيةِ، بل وظَهَر في بعضِ أوسَاطِها الأكاَديميةِ مَنْ يُحذَّرُ ويُنذرُ ضدَّ خطر الصَّدَام الحضاريّ مع المسلمين في أرجاء الأرض.
***
* أقولُ في الختام إنَّ المطلوبَ منا -معشَرَ المسلمين- الآنَ وكلَّ آن، أنْ نذودَ عن حيَاضِ عقيدتِنا وكَرامتِنا وتاريخِنا بالإنجَازِ الشَّاقِ والمبْدِعِ، نفْعاً وبقَاءً وليس بـ(البُكائيّاتِ) ولا(العنْتَريّاتِ)، فالعَملُ الصَّالحُ لخيرِ الدين والدنيا، والارتقاءُ بأحْوالِ المسلمين حضَارياً ومادَّيِاً وثقافياً، واتَّبَاعِ منهجِ (الوسَطيةِ) العَاقلةِ هو أبلغُ رسالةٍ، وأقْوَى وسيلةٍ لإخْرَاسِ الألْسُنِ، وإيقاظِ القُلوُبِ من سُباتِ الباطل! والسلامُ على من اتبع الهدى.