(1)
- الخطأ والصواب.. خصلتان ملازمتان للسلوك الإنساني منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، وستبقيان كذلك إلى أن يشاء الله، ولذا، يمكن وصف الخطأ بأنه تجسيد لفطرة إنسانية، وهو في أحسن حالاته (مدرسة) يستثمر الإنسان من خلالها إخفاقاته تلمساً لسبل الصواب!
* * *
- يخطئُ من يظن أن (الخطأ) في مفهومه المطلق (عيبٌ) لا يبرأ منه أحد أو (خطيئةٌ) لا تُغتفر، ويستوي مع ذلك خَطَلاً وخطراً القولُ بأن خير وسيلة لاجتناب (الخطأ) هي النأي عن السبب المرتَّب له، أو المؤدَّي إليه، ويعني ذلك أن المرءَ في الحاليْن قد ينتهى به الأمر إلى (هَجْر) العمل والزهد فيه، ليقعدَ مع القاعدين، وذاك، لعَمري، هو (الخَطأُ) المبين!
* * *
(2)
- إن كل المخترعين والمكتشفين العظام، الذين خدموا البشرية بإبداعات عقولهم وثمرات قرائحهم، مرُّوا على (صراط) الخطأ قبل أن ينتهوا إلى ما انتهوا إليه إثراءً لرصيد الحضارة على مرّ العصور. (أديسون)، تمثيلاً لا حصراً، لم (يكتشف) الكهرباء في يوم واحد، وأخَوَا (رايت) لم يخترعا جهازهما العجيب الذي يحلق في السماء صدفةً.. أو عبر محاولة واحدة، و(بيل) مخترع الهاتف رغم عبقريته، لم يقدم للبشرية إنجازه على طبق نقي من الخطأ، وهكذا فإن كل عمل إبداعي، سواء (صنّفه) العقل أو (أبدعته) الروح.. مرّ بسلسلة من المحاولات و(الأخطاء) قبل أن يرسُوَ على برَّ الصواب، ثم يأتي من بعده ليضيف إلى الإبداع الأول تطويراً وتحديثاً وإبداعاً!
* * *
(3)
- هناك نمط آخر من الأخطاء لا علاقة له بما سلف، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
(أ) فهذا خطأ يأتيه فاعله عمداً وإصراراً مع معرفة متوقعة بما سيترتب عليه من سوء يتعدى فاعله إلى غيره المقصود بالأذى، وهو فعلٌ مدان عرفاً وخلقاً ونظاماً.
* * *
(ب) وذاك خطأٌ يأتيه فاعلُه بغير قصد ولا عمد ولا تربّص، ينشأُ إما جهلاً بالضوابط الشرعية أو النظامية المكّيفة له، وإما تساهلاً بآثاره ونتائجه، ويشترك هذا الخطأ مع الصنف الأول في أن نتائجه (تتعدى) فاعله إلى من سواه من الأحياء أو الجماد، ولهذا الخطأ (علاج) في مصنفات الأنظمة والقوانين.
* * *
(ج) وهناك صنف ثالث من الخطأ يأتيه فاعله وحيداً في ضيافة (الجدران الصامتة) لا يراه أو يسمعه سوى الخالق العظيم، وهو يختلف عمّا سواه في أن تبعاته ونتائجه وآثاره لا (تتعدّى) فاعله إلى الغير، بل تقتصر عليه، ومن قد يشاركه فعله، إن وجد له شريك، وهذا مما يدخل تدبيره بين العبد وربه، فإن شاء عاقبه، وإن شاء غفر له.
* * *
(4)
- أمّا كيفية (التعامل) مع بعض هذه الأخطاء لحظة وقوعها، فالناس في ذلك مختلفون: “منهم من يُعْرِضُ عما شاهده إعراضاً كاملاً، فعلاً وفاعلاً: إمّا بحجة أن الأمر لا يعنيه أصلاً.. وإمّا الرغبة في (التماس الستر) لفاعله.. وإما (تجنباً) للتبعة النظامية والإجرائية المترتبة على التبليغ عن الخطأ!
- ومنهم من (يحشر أنفه) في كل دقيق وجليل، فلا يُفرِّق بين فعل (العمد) وفعل (السهو)، والفعل الناجم عن (الجهل)، ولا يميز بين فعل يتعدى أثرُه فاعلَه إلى غيره، أو يقتصر عليه هو دون سواه، وقد يستخدم هذا التوجّه جسراً لاختراق أسوار النفس بغير حق، إما فضولاً منه أو عبثاً أو كيداً”!
* * *
(5)
- وإنه لمما يحزّ في وجدان أيّ إمرئٍ عاقل إقدام البعض على خلط الأوراق في التعامل مع الخطأ، فلا يميز أحدهم بين فضيلة (الستر).. وشبهة (التستّر)، فيدفعه الفضول لتتبع (خصوصيات) الناس و(كشف) عوراتهم، بحجة الاحتساب، مع أن ما يأتيه مثل هؤلاء الناس (خطأ) لا يتعداهم إلى سواهم، والواجب هنا خلقاً التماس الستر لهم.. مع طرح النصيحة المفيدة والموعظة الحسنة والخطاب السديد كلما كان ذلك ممكناً عسى أن يقلعوا عمّا كانوا يفعلون!
* * *
(6)
- من جانب آخر، فإن ردع الخطأ الذي يتعدى أذاه صاحبَه إلى الغير، إنساناً كان أو جماداً، واجبٌ على الإنسان الملتزم ديناً وخلقاً وولاءً للوطن، لكن آلية الردع وكيفيته تختلف من موقف إلى آخر، فهي تتطلب (التدخّل) مباشرةً إذا كان الخطأ يتجاوز ضررُه صاحبَه إلى الغير، مما يهدد أمن المواطن: أو كرامة الوطن، إرهاباً وتدميراً، والسكوت على ذلك أو التغاضي عنه إهمالاً هو جزء من (معادلة التعاطف) مع فتنة الشر، فعلاً وفاعلاً، وقد أمرنا ديننا الحنيف أن (نزيل المنكر) باليد أو اللسان فإن لم نستطع، فبالقلب، وذاك أضعف الإيمان!