التنشئة الصحيحة تمثل إحدى الركائز الأساسية التي يبنى عليها أي مجتمع، وغيابها لدي النشء الذي سيصبح في يوم من الأيام هو رجل المستقبل سيؤدي إلى دمار المجتمع بأكمله.
إن الأبناء الصالحين هم عماد الأمة وثروتها وتعلو بهم الأمة وتسمو وترتفع وأن الولد هو كبد أبيه الذي يمشي على الأرض، وأنه لا يوجد أحد يحب أن يرى إنسانا آخر أفضل منه إلا الأب، فالأبناء هم امتداد الآباء لأنهم يحملون اسم الأب على مر الدهر والعصور..
فعلى الأسرة أن تنتبه إلى أن الأبناء كحبَّات العنب على عنقودها لا تكاد تُميز بينها.
فكلُّها بشكل واحد، ولونها موحد، وكذلك الطعم كله حلو وسائغ.
كذلك الحال مع الآباء، هناك من يُميِّز بين أبنائه رَغْم قدرهم جميعًا في قلوب والديه،ومنهم من يفضل أحدًا عن الآخر؛لاختلاف نفسيَّاتِهم، فمنهم من يُجاهر بهذا التفضيل، وقد تكون خفيَّة عند بعضهم.
ولكل واحد من الأبناء خصوصيَّة مختلفة عن الآخرين، وعلى قدر الخصوصيَّة التي يتمتع بها يكون المحبة والتفضيل.
إنَّ النَّفس البشرية بطبيعتها تُحب مَن يُحسن إليها، وتَميل له فطرةً؛ لهذا غالب الميل - المبرَّر واللامقصود من الوالدين - يكون لولدهما الأكثر برًّا بهما.
وأحيانًا بعض المجتمعات ينحدر لفئة الإناث من مُنطلق ضَعْفها، ومجتمعات أخرى يرجِّح من كِفَّة الذُّكور لكونهم الأقوى والأجدر بالرِّعاية، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
إنَّ التفضيل بين الأبناء موجود، ولكنْ يُحاول الوالدان قَدْرَ الإمكان عدم إظهار ذلك،كي لا يتسبب في أحقادٍ وحساسيَّة بين الأبناء، وهناك بعضهم يتعمَّد إظهار التفضيل للابن البار؛ ليتأثر به البقية.
أمَّا من الناحية القلبيَّة وناحية الأعطيات وسواهما، فالأولى بل الواجب اتِّباعُ الهَدْي النبوي لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لقوله - عليه الصلاة والسلام - لأبي النُّعمان بن بشير:
(أَيَسرُّك أن يكونوا لك في البر سواء؟)
قال: نعم
قال: (فاتَّقوا الله واعدلوا بين أولادكم)
بعض الآباء والأمهات يظنُّ أن العدل هو معاملة الأبناء كلهم على نحو واحد، وهذا غير صحيح؛ لأنَّ بعض الأبناء يحتاج إلى جرعة أكبر من الحبِّ، والآخر يحتاج إلى جرعة مديح.
والثالث ربَّما يحتاج إلى مدد من العلم، والرَّابع يحتاج المشورة، فيختلف عطاء الأب نحو أبنائه باختلاف طبائعهم وحاجاتهم.
والعدل الحقيقي أن يعطي كل بحسب ما يريد ويَحتاج، وإذا وحَّد الأب عطاءه - من حيث النوع - فإنَّه سيلاحظ تسخُّط بعض أبنائه ورضا بعضهم الآخر، وهذا يوقعه في حيرة، رَغْمَ أنَّه كان عادلاً في ظنه.
فالاهتمام بتربية الأبناء واطلاع الآباء والأمهات على كل ما هو جديد في مجال التربية، وخاصة الجهل المركب طاعون العصر الذي عشش في عقولنا وهدد حياتنا وجعل أبناءنا لقمة سائغة للتوجيه الخاطئ نحو الانغلاقية الثقافية والعقلية والدينية، وجعلهم كما يقول بعضهم كالميت في يد المغسل يفعل به ما يشاء.
إن شاء وجهه للتدمير والتكسير والسب واللعن والخصام، وإن شاء جعله قنبلة موقوتة يهدد بها الأمن العام والاستقرار الاجتماعي ويفجر به الفتن الطائفية. الأمر الذي أصبح ينذر بضرورة دق ناقوس الخطر وانتشال الشباب من حالة الغيبوبة التي يعيش فيها الكثير منهم!