في البدء كوَّن المجتمع لهيئة مكافحة الفساد صورة ذهنية أو تخيلية بأنها هيئة تعقب وترصد وملاحقة، كما أن هيئة الفساد اعتقدت أن مهمتها أشبه بمضمون صورة تاريخية (للعبة قديمة) كان يمارسها الأطفال في معظم المجتمعات العالمية هي: (يا عسكري طلع الحرامي). أي أن مسؤولية الهيئة هي كشف وإظهار الحرامي بطول المملكة وعرضها. ومع استمرار الوقت والتجربة اكتشفت الهيئة أنها لن تستطيع أن (تطلع) الحرامي، كما أن المجتمع عرف متأخراً أن جهاز الهيئة غير قادر على تعقب الحرامي فكان لا بد من برامج مساندة: الوقاية والتوعية والتوجه إلى الأجيال التي على مقاعد الدراسية أو من هم في بداية الدخول الوظيفي. فالفساد ليس هو السطو المباشر على المال العام ففي حالات كثيرة تساهم الأنظمة واللوائح دون قصد في الفساد، والشاهد في ذلك ترسية المشاريع لأصحاب أقل العطاءات، وترقية الموظف أو التعيين بحسب الأقدمية والتقارير السنوية, والجميع يعرف كيف تكتب التقارير، كما أن الممثل المالي قد يتحوّل وبغير قصد إلى دافع للفساد من خلال التحايل عليه والالتفاف لتحاشي ملاحظات الممثل المالي. أيضاً التعاميم واللوائح الجامدة قد تكون دافعاً إلى الفساد والتجاوزات وبخاصة إجراءات المشتريات والترسيات والنموذج الأكثر وضوحاً هي نهاية السنة المالية، حيث يتم تحت غطائها مشتريات ومستخلصات وفواتير كانت عصية من أجل (تقفيل) الميزانية وبداعي عدم إرجاع الأموال إلى وزارة المالية، حتى وإن تم صرفها على مشروعات مستقبلية باعتبارها مشروعات تم تنفيذها واستلمت من المقاول وهي لم تنفذ بعد.
إذن هيئة الفساد عليها أن تعيد صياغة نفسها بعيداً عن (يا عسكري طلع الحرامي) والدور الشرطي والافتراض من أنها جهة تعقب ومطاردة وعمل الأجهزة السرية. الهيئة لها آليات عمل متعدّدة من ضمنها الدور المساند والوقائي هو إصلاح وترتيق الضمائر من خلال التوجه للجيل الجديد الذي لم يغرق في مستنقع التجاوزات، ولم يتلوّث بسلوكيات المغامرين ومن يملكون الجرأة والجهل الإداري في التعاملات المالية الحكومة.