أي جهود ستبذل لحصار السمنة “داء العصر”، ومحاربتها للقضاء عليها لن تفلح أو تؤدي لنتائج ايجابية ما لم يرتفع مستوى الثقافة الغذائية لدى أفراد المجتمع وتسكن القناعات النفوس بأهمية النشاط البدني مدى الحياة. الواقع سيئ لغياب الوعي فبعض المصابين بالسمنة يضيعون أوقاتهم في تطبيق أنظمة الحمية السريعة والتي غالباً ما تأتي بنتائج عكسية.
من واقع تجربة شخصية لاحظت أن أغلب من يرتادون الأندية الصحية يهدرون أموالهم وأوقاتهم بلا جدوى فدرجة الوعي لديهم ضعيفة إذ يعتقدون أن قضاء بضعة أشهر في النادي كفيل بمنحهم الرشاقة المطلوبة، وهو اعتقاد خاطئ فالرياضة والغذاء المتوازن يجب أن يكونا لفترات طويلة وتحت إشراف مختصين في التغذية والرياضة.
الحديث عن السمنة وهي الداء الخطير الذي بدأ يفتك بأفراد المجتمع متشعب وشائك، ورغم مرور سنين طويلة تزايد فيها أعداد البدناء إلا أن الإجراءات الحكومية في هذا الشأن ظلت أقل من المطلوب حتى صحونا اليوم لنشاهد صوراً مؤلمة لمواطن بلغ وزنه 600 كيلوغرام وتم نقله من شقته إلى المستشفى برافعة ولولا إلحاح أهله وربما مطاردتهم الكلامية له لما خرج من شقته، وآخر بلغ وزنه 350 كيلو غراماً، وثالث يزن 260 كيلو إلى آخر القائمة، وفي البيوت ممن لم يتم الكشف عنهم كثير يحتاجون لمتابعة ومطاردة ربما لعدم قناعتهم بتغيير أحوالهم، وآخرون رحلوا عن الدنيا لعدم المبادرة بعلاجهم، واليوم تحدثنا الأرقام أنه من بين كل أربعة سعوديين يوجد ثلاثة أشخاص مصابين بالسمنة أو زيادة الوزن، أي أن الاجمالي 18 مليون سعودي وسعودية تبلغ كتلة الجسم لدى كل فرد منهم أكثر من 25 كجم /م2، وعليه فإن نسبة الاصابة بالسمنة وزيادة الوزن لدى الذكور 63% ولدى الإناث 66%.
أخيراً استبشرنا خيراً لمعالجة هذا الداء القاتل، فقد أعلنت وزارة الصحة أنها بصدد إنشاء خمسة مراكز لعلاج السمنة في كل من الرياض وجدة والدمام وعسير. الفرحة بهذا الخبر شابتها بعض المنغصات فهذه المراكز لن تكون جاهزة قبل عام 1437 حسب تصريح وكيل وزارة الصحة للخدمات العلاجية عبدالعزيز الحميضي، وهو تاريخ بعيد فإلى هذا التاريخ كيف سيتم التعامل مع الحالات المحتاجة للتدخل السريع، ونحن نعرف أن السمنة مسبب مباشر لكثير من الأمراض. أصابتني الدهشة وأنا أستعرض الأمراض التي تسببها السمنة من كثرتها. سأورد هنا عناوين عريضة وتحت كل عنوان تندرج عشرات الأمراض. من أهمها أمراض القلب وتصلب الشرايين والموت المفاجئ، وأمراض الجهاز التنفسي، ومرض السكر، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض الكبد، وأمراض المفاصل ودوالي الساقين.
الأمر الآخر أن هذه المراكز في حال تنفيذها أن أعطانا الله وإياكم عمراً لن تخدم إلا أربع مدن فقط على امتداد الوطن ما يجبر المواطنين للرحيل لهذه المراكز والأولى في نظري أن يكون في كل منطقة مركز متخصص ملحق بالمستشفى الرئيس كي يخدم أبناء المنطقة.
للأسف واقع الخدمات المقدمة لمرضى السمنة غير لائق. القادر منهم ومن يملك الرغبة يتوجه للمستشفيات الأهلية أو لخارج المملكة، والعاجز يقبع في منزله ينتظر الفرج.
في نظري أن علاج السمنة في بلادنا يحتاج لحملات مكثفة تصل للناس في بيوتهم، حتى ولو اضطرت الفرق الطبية لمطاردة أي سمين رافض للعلاج لإجباره رغماً عنه مثل ما كانت الدولة تتعامل في بداياتها مع الرافضين للتعليم النظامي.