في مدارس التّعليم العام ببلادنا تكهربت الأجواء بين منسوبي المدارس والطلاب.
العلاقات الحميمية بين المعلمين والطلاب أصبحت في ذمة التاريخ، واحترام المعلم بجلال قدره صار ضربًا من الخيال “وتنشد عن الحال.. هذا هو الحال”. تبدَّلت الأمور تمامًا وانقلبت الأحوال. في زمن مضى كان الطالب يحترم المعلم ولا يقترب منه لأنّه قد تشرب من مجتمعه تقدير المعلم، أو لأنّه في أسوأ الأحوال يخاف من العصا والفلكة. لم يكن هناك ما يدعو لسنِّ أنظمة تحكم العلاقات بين الطرفين فالعلاقات تسير على هذا المنوال بالرغم من أن كثيرًا من الإجحاف يقع في حقِّ الطالب إلا أن ولي أمره دائمًا ما يقف في صف المدرسة مانحًا لها كل الصلاحيات بقوله: لكم اللَّحْم ولنا العظم.
اليوم المعلِمَ لا يريد جلد الطالب ولا لحمه، يريد فقط استرداد هيبته ومكانته ليُؤدِّي رسالته على الوجه الأكمل ويسلم الطالب إلى أهله سليمًا معافى بشحمه وعظمه ولحمه. يتمنى أن يخرج من مدرسته كل يوم آمنًا مطمئنًا بعد أن أصبح أكثر استهدافًا من أيّ وقت مضى. طعن معلم حتَّى فارق الحياة، ثمَّ سمعنا عن تشكيل لجنة للتحقيق من قبل وزارة التربية والتَّعليم المشغولة حتَّى الثمالة بتنظيم المعارض، لكننا لم نسمع حتَّى هذه اللحظة عن نتائج تحقيقات اللجنة الموقرة ولا عن أيّ عقوبات رادعة تكفل على الأقل حقوق أسرة المعلم المنكوبة!
على مدى الشهور الماضية لم تكن قصة المعلم المطعون الوحيدة، بل هي ضمن عشرات القصص الحزينة، وفي كلِّ قصة جديدة تكون الفرصة سانحة للمتحدث الرسمي باسم الوزارة للظهور عبر وسائل الإعلام ليردّد نفس الأسطوانة التي حفظناها عن ظهر قلب وبنفس المفردات المكرّرة: ستشكّل الوزارة لجنة.. سيعاقب المخطئ.. إلى آخر تلك المفردات التي لا تسمن ولا تغني من جوع!
آخر تلك الوقائع حدثت في مدرسة ثانوية بمركز الفرشة في تهامة قحطان حين هجم طالب كالمسعور على مدير المدرسة وعلى مرأى من الطلاب والمعلمين عند خروج الجميع من المدرسة وسدَّد له طعنة في كتفه من خنجر كان يحمله، ثمَّ لاذ بالفرار.
اهتز النظام المدرسي بعد أن تصدّعت أركانه بغياب الحزم، فحضر العنف ليكون له كلمة الفصل. حتَّى لو تذرع بعض مسئولي الوزارة بوجود نظام مكتوب فهو للأسف أوهي من بيت العنكبوت حسب وصف أحد مديري التربية والتَّعليم في إحدى المناطق ضمن حديث ودي دار بيني وبينه. يستطيع أيّ ولي أمر أن يدخل إلى المدرسة ويتلفظ على منسوبيها ويضرب من يشاء منهم، ثمَّ يخرج من المدرسة دون محاسبة، حدث هذا في مدارس بنين وكذلك في مدارس بنات ونتذكَّر الأم التي دخلت مع بناتها العام الماضي في مدينة الرياض لتضرب إحدى المعلمات على خلفية شجار حدث بين المعلمة والطالبة ومع عظم الجرم لم يعلن عن أيّ عقوبات بحق الأم وبناتها.
اختلت المعادلة عندما ارتفعت مكانة الطالب وتهاوت هيبة المعلم. فحين تكون الإدانة لمعلم عنف طالبًا تقوم الدنيا ولا تقعد بينما ضرب المعلم والاعتداء مسألة فيها نظر.
التّعليم يمرّ بمنعطف خطير وإذا لم تسارع الوزارة لتنظيم العلاقات داخل المدارس وتضبطها بقوانين صارمة فإنَّ الأمور ستزداد سوءًا بسيادة شريعة الغاب.