هم قبل غيرهم....!!

استمعت لمن تحدّث في أحد برامج التلفاز الكويتي عن «النفقة» في الأهل..، وما عرفه الناس من بداهة مسؤولية «الراعي» في أهله، وجمال التكافل حين يتعاون الرجل، والمرأة على شؤون العيش في الحياة، فيسدّ أحدهما خانة الحاجة إنْ لم تكن بالمال، فلا أقل من أن تكون بالتوافق مع الحالة..، أي لا يكلّف أحدهما الآخر فوق طاقته،.. فإنْ لم يستطع أحدهما، فليساعده الآخر، إنْ لم يكن بالمال، فبالتنازل عن فائض الحاجات، وعدم الإسراف في تلبية الزيادات داخل الأسرة..

أما الموسر فيهم، فيمتد واجبه إلى من هم خارجها من الأقرب، فالأقرب ممن يَجْمُل به أن يخصص لهم من ماله قدراً يتفق يستطيعه...

هي معلومات عامة،.. يعرفها، ويألف التعامل بما فيها كل إنسان تعلّمها اكتساباً، أو سجية، وفي جوفه حس جميل، وود نبيل، ويحرص على إرضاء ربه في القربى، ثم يعينهم هو بالتكافل جوداً، وعوناً..

الجميل فيما استمعت إليه هو تلك الشواهد المتواترة التي ذكرت لمواقف، وبأحاديث القدوة عليه الصلاة والسلام، تلك التي تغيب عن كثير منا، بل عن الأغلب الذين هم بعيدون عن نبع حكمته، ودرر ما قال، إذ ترك حديثه الهادي لمن يشاء الاهتداء، والاقتداء.

مما التقطته من كل الذي قيل في الطرح من الحضور، ومن المشاركين في البرنامج من ذوي الاختصاص، والعلم، كنت أتمنى أن يستمع إليه كل من نسي أهله، وأبناءه، وأقرباءه، ثم من يليهم من خيره، وذهب يمد يده للأبعد، ربما ظناً بكفاية أولئك بينما فيهم الفقير المحتاج، والعفيف المتكتم، ومن به خصاصة، ويؤثر، وهم كثر تحت الأسقف تعرفهم الجمعيات الخيرية، والجيران، والليالي الدامسة،..

بينما هم من حولهم، أو أبعد مكاناً عنهم موسرون لكنهم لا يطرقون عليهم باباً، ولا يبحثون فيهم حاجة وراء حجاب..!!

أولئك الموسرون لا يعلمون مدى المروءة ..، وكيف حثت عليها، وأوجبها المشرع ذو الخلق العظيم، الأخْيَـرُ في أهله، وقرباه، جاءت بذلك آثاره، وأفعاله، وأحاديثه، وفي هذا الشأن أكد على أولية الإنفاق على الأقرب، سواء من الزوجات، والأزواج، أو الأبناء، والأهل، أو القربى، وذوي الأرحام..، فالأحوج، والأقرب..

ماذا يقول واقع الإنفاق على هؤلاء من موسريهم .. من أهلهم، وأقربائهم.. بل أوليائهم في بيوتهم..، ورعاتهم في أسَرِهم..؟!

الكثيرون يعلمون عن واجب إنفاقهم على أهلهم..، ومثلهم من المحتاجين فيهم لا ينالهم منهم ذرة في مكيال ما يملكون..!!

ربما لأنّ هناك كثيرين لا تقوم بينهم وبين أقربائهم علاقات صحيحة، سليمة من الشروخ، إذ ينتشر أمر تصدُّع العلاقات الأسرية بمختلف مستويات القربى، ومستويات العلاقات بشكل فادح في المجتمع..، وأكثر الأسباب حين توضع في محكات العلاج ليست جذرية..

وربما لأنّ غالبية الأثرياء يوقفون مآثرهم على مؤسسات اجتماعية عامة، وحين يسألون عن أهلهم يكون الجواب: «نحن لنا من ننفق عليهم، وتتوجّه إليهم عطايانا» بمعنى أنهم «ملتزمون»، وبذلك ليس لديهم فائض عما التزموا به..

وحتى صغار الموسرين ينصرفون عن حاجات قرباهم، بما فيهم الذين يعيشون معهم تحت سقف واحد..

مثل هذه البرامج ليت الإعلام السعودي المرئي يركز عليها، وينوّعها، ويثريها، من أجل نشر ثقافة العطاء، والتكافل، وموجبات النفقة، ومسؤولية الفرد في أهله، وأقربائه، وأرحامه قبل عامة الناس..