فُجعت كما فُجعت ساحة الأدب والثقافة مساء الخميس الثامن عشر من محرم 1435هـ الموافق 21 نوفمبر 2013م بوفاة أخي وزميل عمري ورفيق دربي الدكتور أسامة عبد الرحمن على مدى أكثر من ستين عاماً.
فقد تزاملنا منذ السنة الأولى لثانوية طيبة بالمدينة المنورة التي كان موقعها خلف بيوت البشناق في انحدار يؤدي إلى بئر (حاء) بباب المجيدي، وفي امتحان الثانوية العامة كنت الأول على مستوى المملكة وكان هو الثاني وظللنا نتنافس على المركز الأول في الجامعة (جامعة الملك سعود) وما بعد الجامعة، منافسة شريفة بريئة ونقيّة لا تشوبها شائبة ولا يعكر صفوها حاقد، كما عشنا تحت سقف واحد أكثر من خمس سنوات عندما كنا طالبين في الجامعة ثم خلال فترة الانتظار للابتعاث للدراسة العليا.
أقول فُجعت لأنه لم يكن يعاني من مرض عضال أو علة مستديمة، بل كان في تمام صحته وعافيته حتى في آخر لحظات حياته، فقرّرت على الفور التوجه إلى المدينة المنورة لحضور مراسم الدفن، وأنا في طريقي إليها عاد بي شريط الذكريات تخنقني العبرة ويعصرني الألم لشدة الفاجعة، فقد كان آخر حديث له معي - رحمة الله عليه- في عيد الأضحى المبارك، حيث بادرني هذه المرة بالسؤال عني قائلاً: انظر ها أنذا قد سبقتك في السؤال عنك هذه المرة، إذ كنت دائماً أبادره بالسؤال بين الفينة والأخرى وأزوره عند تواجدي في الرياض ولو ليوم واحد، ذلك لأنه بعد تقاعده من الجامعة آثر الانزواء وفضَّل الانطواء على ذاته بعد أن خذلته ظروف الحياة وقست عليه نوائب الدهر وعصفت به رياح سوء التقدير والإقصاء ونكران الجميل.
فعكف على إمعان الفكر في هموم الأمة فألَّف عدداً من الكتب والأبحاث في مجال اختصاصه (الإدارة العامة) ولكنها كانت نقدية لاذعة تهدف إلى معالجة أمراض البيروقراطية والفساد والمحسوبية وسوء استخدام السلطة، هذا بالإضافة إلى نشره عدداً غير قليل من دواوين الشعر، هوايته الأولى منذ الصغر، حتى إنه كان يراسل والده وإخوته بقصائد شعرية جميلة تنم عن عمق المحبة والترابط والألفة بين الأشقاء، وشملت دواوينه معظم جوانب الحياة وإن كانت في مجملها تميل إلى الهجاء والتشاؤم ونقد الواقع لغرض الإصلاح والتطوير.
كان - رحمه الله- حافظاً لكتاب الله، عصامياً، ذا قيم ومبادئ لا يحيد عنها أبداً، عفيف النفس، شامخ الروح، موضوعياً، يأبى المجاملة أو المداهنة أو التزلّف، وفوق كل ذلك كان أستاذاً أكاديمياً مميزاً تخرَّج على يديه عددٌ من كبار رجالات الدولة وأساتذة الجامعات.
رحمك الله يا أبا إياس رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته في الفردوس الأعلى، وألهم أهلك وذويك الصبر والسلوان.
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.