تم إيقاف عمل الحكومة الأمريكية جزئياً خلال الشهر الماضي، على امتداد 16 يوماً، وكلّف ذلك 24 مليار دولار، وكان قد بقي يومان قبل أن تنفد الأموال الضرورية لتفي بموجبات الدين المترتبة علينا.
إلى ذلك، ستنفد مبالغ التمويل الحكومي الحالي في كانون الثاني (يناير)، مع الإشارة إلى أن الشعب الأمريكي والعالم يشككان في قدرة الولايات المتحدة على تنظيم شؤونها الضريبية.
ولكن في حال وضعنا التصعيد السياسي جانباً، هل نستطيع القيام بتحليل موضوعي للأداء المالي للبلاد؟ بدلاً من النظر إلى مستويات الدين، أو إلى الدولارات التي يتم إنفاقها خلال مرحلة من الفراغ، من الضروري أيضاً أن نحكم على الاقتصاد الأمريكي من خلال مقارنته باقتصاديات أخرى.
ففي نهاية المطاف، تعمل الشركات في الأسواق، ما يعني أن أداءها جيّد أو سيّئ فقط بالمقارنة مع أداء شركات أخرى في السوق، ومع السوق على نطاق أوسع. وإن نظرنا على الصعيد المالي، ولا سيّما على الصعيد الائتماني، لرأينا أن وضع الحكومات ليس مختلفاً.
وبصفتي رئيسًا تنفيذيًا لشركة ائتمانية، تخوّلني مكانتي المميّزة مراجعة المكانة التي تتمتّع بها الولايات المتحدة.
لا شكّ في أنّنا نتفرّد في أدائنا فعلاً بالمقارنة مع حكومات أخرى. ومن المعلوم أنّ وكالات كثيرة تصنّف القدرة الائتمانية لحكومتنا، وهي ترى أن أداء الولايات المتحدة متميز إلى حدّ كبير: فمن جهة، وضعتنا وكالة «موديز» في أعلى قائمتها، بعد أن منحتنا تصنيف AAA.
ومن جهة أخرى، خفضت «ستاندرد أند بورز» تصنيفها الائتماني للولايات المتحدة إلى AA+ السنة الماضية، ولكن لا يسبقنا مرتبةً إلا اقتصاديان من بين اقتصاديات العالم العشر الكبرى (هما ألمانيا والمملكة المتحدة)، مع العلم بأن الاقتصاديين التاليين من حيث الحجم، أي الصين واليابان، كانا أقل مرتبةً منّا في التصنيفات. وتُعرَف الحكومات معروفة بقلّة تنظيمها. ويقول كثيرون: إنه من شأن الولايات المتحدة أن تحسّن أداءها، لو كانت خاضعة لإدارة شبيهة بإدارة الشركات. ولو كانت الحكومة شركة، ما كان سيبدو عليه تصنيفها الائتماني؟ تكثر العوامل المؤثِّرة في قياس الأداء الائتماني والمصداقية في إحدى الشركات. ويولى اهتمام لنطاق نشاطها، ويتم قياسه باللجوء إلى عوامل كالعائدات السنوية وعدد الموظفين فيها.
أمّا الولايات المتّحدة، وبصفتها مؤسسة كبيرة، فكانت ستحصد علامات عالية على هذا الصعيد. إلى ذلك، تولى أهمّية لمدّة تشغيل الشركة. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي يمتدّ تاريخها على 237 سنة، فلديها إرث مذهل بالنسبة إلى شركة (وإن لم يكن بمستوى الإرث الذي خلّفته معظم الدول الأخرى).
وعلى صعيد آخر، يُعتبَر التأخر في الدفع والعجز عن السداد أكثر ما يضر بالتصنيف الائتماني للشركات. إلا أن الحكومة الأمريكية سدَّدت ديونها دوماً في الوقت المناسب، ولم تسجل يوماً عجزًا في السداد، على الرغم من المواقف التي يتّخذها الكونغرس.
وماذا عن المصداقية؟ يعتمد تقييم المصداقية على بيانات غير الأرقام الماليّة، في سبيل معرفة ما إذا كانت إحدى الشركات تستحق الثقة التي يمنحها إياها شركاؤها وعملاؤها. ومن أهم العناصر المكونة لهذه التقييمات، نذكر الاستقرار، والشفافية، والمصداقية. وبشكل عام، كانت الولايات المتحدة لتتبوأ مكانة جيدة على صعيد هذه العناصر المكونة، بالمقارنة مع دول أخرى. إلاّ أنّ عنصراً رابعاً قد لا يفيد مصلحة الولايات المتحدة، وهو الشعور السائد، الذي تكشف عنه عناصر على غرار التصنيفات والمراجعات، والتقارير الإخبارية، وغيرها من المقاييس الكمية التي تسمح بتحديد رأي الناس بإحدى المؤسسات.
وعلى هذا الصعيد، يتحوّل التصوّر القائم إلى حقيقة مهمة، ومن الواضح أنّ الحكومة الأمريكية تعاني مشكلة كبيرة على صعيد كيفية تصوّر الناس لها. ولا يجب أن يطغى موطن الضعف الوحيد هذا على حقيقة ما يجري على نطاق أوسع. لكنّه من الأمور التي يجب أن يبقيها الكونغرس في الحسبان، مع اقترابنا من جولة مناقشة الموازنة التالية.