في الحلقة السابقة ناقشت مسألة إثبات الياء بعد حرف الرويّ المكسور في الشعر النبطي، وفي هذه الحلقة أعرض مسائل أخرى غير صحيحة لطريقة كتابة الشعر النبطي.
فمن هذه المسائل التزام البعض بإثبات نقطتي التاء المربوطة في قافية الهاء، في مثل قول المرحوم أبوماجد (1384هـ):
قالوا لي اقصد قلت ما نيب مكلوف
عني وعن شعري تنوب الصحافه
هذا وانا شاعر واحوف المثل حوف
والشعر عندي ما يبي له كلافه
وقول المرحوم عبدالله السليمان ابن حسن (ت 1408هـ)
يقول الخال يوم إنه تمنّى
وهو بين المحرقوالمنامه
بجسرٍ والبحر منّا ومنّا
ألا ياالله طالبك (السلامه)
فبعضهم يكتبها كما تقتضيه قواعد الإملاء أي بإثبات نقاط الياء هكذا (علّة) (الصحافة) (كلافة) (المنامة) (السلامة)، وهذا لا يُقبل في الشعر النبطي لأنه نوع من التفاصح في غير محله، فالتاء هنا لا تُنطق إلا هاء لأنها (وصل) للرويّ والوصل لا يكون تاء أبدا، زد على ذلك أنها في نهاية البيت والعرب لا تقف بالتاء على ما آخره تاء مربوطة إلا إذا كان قبلها ألف مثل (الصلاة) و(الفلاة). فإن قيل إن هذا يكون في القراءة لا في الكتابة قلت الشعر النبطي شعر عامي وكتابته بالصورة التي تقربه للقارئ مطلوبة ما لم يكن فيها خروج على قواعد الكتابة من غير مبرر غير العبث أو الجهل.
أما إذا جاءت التاء المربوطة التي تُنطق هاء في كلمة في حشو البيت كقول المرحوم سبيل بن سند الحربي رحمه الله (ت1418هـ):
وقت (السعه) كلٍّ يقـول الله أكبر
بالزول عندك والسواليف رحّـال
فإثبات النقطتين فوق التاء لا بأس به اتباعا لقواعد الإملاء بلا تفاصح، وحذفهما عندي هو الأولى لأنه يحدد القراءة الصحيحة للبيت، والبيت لا يمكن أن تُقرأ فيه هذه الكلمة إلا بالهاء.
ومن الظواهر الصوتية الثابتة في الشعر النبطي أنه لا يتعامل في ظاهرة التنوين سوى بتنوين الكسر أما تنوين الفتح وتنوين الضم فلا مجال لهما فيه، ولذلك يخطئ من يضبط الكلمات في الشعر النبطي بتنوين الفتح، كمن يضبط - على سبيل المثال - كلمة (مقفيٍ) في قول الحميدي الحربي:
يا مقفيٍ منه المشاعر ظمايا
عقبك همومي ما عليها مزيدي
يضبطها هكذا: (يا مقفيًا) إما تفاصحًا أو تأكيدا على التنوين، أو بسبب عدم قدرة على تطبيق صوت الحركة كتابة، وكل هذه الأسباب غير مقبولة.
ومن طريقة كتابة الشعر النبطي الرائجة عند البعض دمج الكلمتين شبه المتلازمتين بكلمة واحدة، كقول أحمد الناصر الشايع:
يا منوتي يا غاية المقصود
زولك (يورّى لي) ويبرى لي
فبعضهم يدمج الكلمتين اللتين بين القوسين لتصبحا كلمة واحدة فيكتبها تبعا لذلك هكذا (يورّالي) و(يبرالي). ومثل هذا كلمة (يبي له) في قول (أبوماجد) الذي مر أعلاه:
هذا وانا شاعر واحوف المثل حوف
والشعر عندي ما يبي له كلافه
فالكثيرون يكتبونها على سبيل الدمج هكذا (يبيله).
ومن الدمج الرائج دمج (ما) النافية مع ما بعدها بعد حذف الألف حذفا يوجبه الوزن، قال حمد المغيولي رحمه الله (ت 1417هـ):
(مقدر أصبر على شيٍ تعدى نطاقه
اِلتمس بالضفيرة سلك ماص وحرقها
وقول عبدالله العليوي رحمه الله (ت 1424هـ):
مدري هي الصدفة لدربي تجيبك
(مدري) أنا اللي في دروبك تحريت
وهناك من يدمج ثلاث كلمات بكلمة واحدة كما هو الحال في كلمة (وش تبي بي)، قال سليمان السلامة:
وش تبي بي ما بقلبي لك حنان
دوّر اللي في حنانه يرتجيك
فيكتبها هكذا (وشتبيبي) وقد يدمجها في كلمتين هكذا (وش تبيبي) أو هكذا (وشتبي بي)
وهناك من يفصل جزءا من أول الكلمة ليلحقه بآخر الكلمة قبلها، كما في كلمة (مانيب) قال ابن سبيل رحمه الله (ت 1356هـ):
لو دلّهوني عنه (مانيب ناسيه)
(مانيب ورعٍ) دلّهه قرقعانه
وقال المرحوم صقر النصافي (ت 1367هـ):
ياصاحبي (مانيب راعي) مهاداه
اما ارضني والا اجفني واستخيري
والأصل كتابتها هكذا (ماني بناسيه) (ماني بورع) و(ماني براعي).
ومثل (مانيب) كلمة (ماهوب)، قال سليمان ابن شريم رحمه الله (ت 1367هـ):
يا صاحبي جارك الله ويش هالصدّه
(ماهوب حقٍّ) تولعّني وتنساني
والأصل (ما هو بحق) والباء هذه هي الزائدة ـ إعرابا ـ التي تدخل ـ قياسا ـ على خبر (ما) و(ليس). ولعل ما يسوّغ هذا الفصل أن الباء قد تلحق الكلمة التي قبلها بعد حذف الكلمة التي بعدها في غير الشعر، وهذا كثير رائج في كلامهم، كقول بعضهم اختصارا: (مانيب)، جوابا لمن يسأله: تبي تروح؟
وكل هذه التصرفات في كتابة الشعر النبطي لا أرى فيها بأسا لأنها تأتي في سياق عامي ولها مبررات ليس منها العبث أو الجهل.
هذا ما أسعفت به الذاكرة من طريقة كتابة بعض الكلمات في الشعر النبطي، ولعل أحد الباحثين يجلو هذا الجانب اللغوي المهم بصورة أعمق وأوسع.